الشاشات جميعا مقسومة نصفين، مباشر خان يونس ومباشر تل أبيب..

مباشر خان يونس تبث وقائع استعراض حمساوى مسلح منظّم بامتياز، رسائل حمساوية لا تخطئها عين، يحملها الأسرى الإسرائيليون الثلاثة، أهمها ساعة الوقت ينفد وأعمقها خريطة فلسطين.
رسائل لا تحتاج إلى تفسير وتحليل، رسائل اعتيادية إلى الداخل الإسرائيلى وللعالم، والرسالة الحمساوية بعلم الوصول، التسليم على طريقتنا، وبإرادتنا.. ووفق شروطنا.
مباشر من تل أبيب هو ما يلفتنا مجددا، يترجم الصمت على مضض، والنحيب والدموع فى أعين أمهات الأسرى وعوائلهم رسالة، والشعارات المرفوعة تنادى على نتنياهو بإنهاء المأساة التى طالت لخمسة عشر شهرا.
الصورة مباشر من تل أبيب ضاغطة على أعصاب الحكومة الإسرائيلية والأمريكية، يقينا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لم ينم ليلتها، بفعل الأرق، وفارق التوقيت، كان يرقب تسليم الأسرى الثلاثة فى سريره على قلق كأن الريح تحته.
ترامب المؤرق، توعد حماس بالجحيم إذا لم تسلم الأسرى جميعا عند الثانية عشرة ظهر السبت، لا أعرف كيف كان يفكر عند ظهيرة السبت، والوقت ينفد، وحماس تنفذ جدول التسليم دون زيادة طلبها ترامب أو نقص يخل باتفاق المرحلة الأولى.
صورة مباشر من تل أبيب تضغط الوسطاء المؤتمنين على الهدنة، ويخشون على اتفاق هش من تصدع، أو انهيار الهدنة على أهون سبب، جميعا تنفسوا الصعداء، وذهبوا لتدبير مرحلة جديدة من عملية التسليم والتسلم، والدعاء يا رب سلم.
الصورة مباشر من تل أبيب ضاغطة، الاتفاق برمته تحت الضغط الشعبى الإسرائيلى، ما يضغط بالضرورة معادلات الحل فى غزة، ويرهن مفاوضات المراحل التالية وصولا للمرحلة النهائية التى ترسمها معادلات القوة بين حماس وجيش الاحتلال، والوسطاء محصورون فى شِعب ضيق بالكاد يتنفسون.
تحتاج لمطالعة مباشر من واشنطن، ومباشر من القاهرة ، ومباشر من عمان، ومباشر من الرياض، ومباشر من كل العواصم العربية والغربية لتقف على ردود الأفعال المؤسسة للأفعال التى ستنبنى عليها الإجابة على سؤال: ما شكل اليوم التالى فى غزة؟.
الطرح الأمريكى (المجنون) بغزة أمريكية بواجهة سياحية خلوًا من الفلسطينيين (ولو مؤقتا) يقابله طرح مصرى عاقل مستدام، بغزة فلسطينية، لا تغيير فى هويتها أو ديموجرافيتها، غزة لشعبها، وكما تحمل هذا الشعب عقودا من الاحتلال، يتحمل سنوات الإعمار ويشارك فيها، يبنى لمستقبله فى أرضه، لا يغادر مسقط رأس أجداده، وموطن أحفاده.
مباشر من تل أبيب سيختفى كلية من الشاشات مع الحل المصرى (حل الدولتين) الذى يوفر بيئة حاضنة لسلام مستدام تختفى معه من شاشات المستقبل مثل هذه الصور التى تبث على الهواء مباشرة من تل أبيب محملة بثارات وتهديدات تصادر على المستقبل فى تل أبيب وصولا لخان يونس.
المسافة بين الصورتين تشكل ملامح صورة مكبرة رسمها ثأر مزمن مستوجب علاجه من جذوره، المسكنات لا تجدى نفعا، والمراهم لا تعالج جذرا، واستئصال أم القيح بعملية سلامية عميقة يقوم عليها نطاسى أمريكى حاذق، أخشى ليس متوفرا فى إدارة تروم صفقة سخية ثمنها دمار وحطام وأشلاء بشر، وصور كئيبة مباشرة من خان يونس وصولا إلى تل أبيب.
صور الشاشات المقسومة على اثنين، لا تسر عدوا ولا حبيبا، صور ترسم مستقبلا كئيبا لمنطقة كتب عليها القتال وهو كره لهم، وفى الأخير سيرسم الصورة أصحاب الحق (الغزاوية)، فهم صامدون ومستعدون لمزيد من التضحيات من أجل استرداد حقوقهم والحفاظ على وطنهم الذى تتكالب عليه الضباع تكالبها على قصعتها.