القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

يوم مع أسود الصاعقة.. رسالة بعلم الوصول لكل الأعداء: «محدش يقدر على مصر»

اهتزت الأرض فجأة، لم يكن زلزالًا، بل كان وقع أقدام وجوه شباب لا يربطهم سوى أنهم جاءوا بمحض إراداتهم لتقديم أرواحهم فداءً لهذه الأرض ومَن عليها. كانت أجسادهم الملتفة بالزى المموه، الخاطف للنظر، تتحرك كأنها جزء من الطبيعة

يوم مع أسود الصاعقة.. رسالة بعلم الوصول لكل الأعداء: «محدش يقدر على مصر»

المحيطة لقيادة قوات الصاعقة. الوجوه مغطاة بغبار التحدى، والأعين تلمع بعزيمة لا تعرف الانكسار. فوق ميادين التدريب المترامية الأطراف، حيث تختلط رائحة البارود بعرق الجهد، تتجلى صورة مصر بصلابتها وقوتها وسط إقليم يموج بالنيران والحروب.

أتاحت لى الظروف أن أقضى يومًا كاملًا فى معسكرات تدريب قوات الصاعقة فى عمق ريف الشرقية، حيث تقع مدرسة الصاعقة بأنشاص، وبالرغم من معايشات سابقة قد خضتها مع مقاتلى القوات الخاصة فى سيناء، أثناء عمليات مكافحة الإرهاب، فإن تميز رجالها وعزيمتهم وقصصهم المتجددة تدفعك إلى الرغبة فى تكرار الزيارة إلى معسكرات تدريب قوات النخبة، خاصة وسط التحديات الكبيرة التى تواجهها مصر على كل حدودها.

كل حركة وكل نفس هنا يحملان معنى، فما رأيته هنا لم يكن مجرد تدريبات عسكرية وبناء للقدرات الجسمانية، بل بناء للوعى والروح قبل الجسد، حيث يدرك الجنود أن الأوضاع السياسية المحلية والدولية تتطلب أكثر من القوة البدنية، تتطلب عقلًا يقظًا وقلبًا مفعمًا بالإيمان والعلم، كأنهم يعملون بمقولة إرنست هيمنجواى الشجاعة هى نعمة تحت الضغط.

خارج هذه الأسوار، قد تبدو حياة الجنود والضباط وصف الضباط بعيدة عن أذهان الكثيرين، ولكن الحقيقة أن هؤلاء الأسود يحملون فى قلوبهم نبض مصر. أغلبهم شباب جاءوا من قرى ونجوع بسيطة، لكنهم اختاروا أن يتجاوزوا حيواتهم العادية ليصبحوا جزءًا من أسطورة الوطن..داخل الميدان تذوب الفروق، ويتحول الجميع إلى كتلة واحدة تحمل هموم الوطن وأحلامه.

بحكم الاطلاع على تاريخ الجيوش العالمية، فأحيانًا يتم الترويج للقوات الخاصة بأسماء وأوصاف عنيفة لبث الرعب فى قلوب الأعداء من ناحية، أو للتفاخر بما يتميز به نخبتهم من ناحية

أخرى، فهناك قوات ماركوس الهندية التى اشتهر رجالها بأنهم يأكلون لحوم البشر، وهناك قوات السيل الأمريكية المعروفة بأنها صفوة البحرية الأمريكية التى لا تصد ولا ترد، والدرع

الرادعة لكل من تسوّل له نفسه الاعتداء على الأمريكيين، سواء على الأراضى الأمريكية أو خارجها. وكذلك هناك وحدة القوات الخاصة الأكثر نخبوية فى الجيش البريطانى ساس ذات التأهيل

القتالى الفريد، فيما تعرف قوات ألفا الروسية بأنها أكثر مجموعات القتال دموية حول العالم، لا سيما أنها فى مرات كثيرة تبادر إلى قتل المخطوفين مع الخاطفين، وكأنها بذلك تبعث رسالة

لمن تسوّل له نفسه اللعب مع الروس، أو طلب الفدية، بالتهديد والوعيد. وكذلك يصف الكثيرون قوات سنو ليوبارد الصينية، المعروفة بـمجموعة النمر الثلجى الصينية، بأنهم رجال من فولاذ، لا من لحم ودم بشريين.

الحاصل أننى رأيت بعينى داخل معسكرات الصاعقة فى أنشاص قصصًا حقيقية من لحم ودم تجسد شعار التضحية.. الفداء.. المجد، ورغم ذلك يذهب عديمو الوطنية للاستخفاف بهؤلاء. فكيف يستهتر مَن هم خارج هذه الأسوار بهؤلاء المقاتلين الموجودين بين النيران والمناورات القاسية والتدريبات الشاقة المميتة والاشتباكات الدامية والمعارك الجارية؟ الوطن فى هذا المكان ليس كلمة عابرة، بل هو نبض فى العروق.

ملامح القوة والانضباط التى تميز الجنود والضباط، تشير إلى أن وجوههم تحمل قصصًا عن تحديات خاضوها ورحلات صقلتها الشجاعة. ترى فى أعينهم عمقًا لا تخطئه عين المُتأمل، أعين تحمل الوعى الكامل بما يجرى فى الداخل والخارج. ضباط الصاعقة، بملامحهم الحادة وأصواتهم الواثقة، يقودون بكفاءة صامدة تدريبات لا تعرف التراخى، إيمانًا بأن الوحوش لا تولد، بل تُصنع بالتدريب الشديد والإرادة القوية.

عند بدء التدريب، تمتزج أصوات القنابل وزخات الرصاص مع صرخات التحفيز، الانفجارات تهز الأرض، وكأنها تذكّر الحاضرين بأن هذه الميادين هى انعكاس للمعارك الحقيقية. الجنود يركضون فى مسارات متعرجة،

يتسلقون الحواجز ويخوضون تمارين تعكس أقسى ظروف القتال. تراهم يتحركون ككتلة واحدة، كأنهم جسد ينبض بإرادة واحدة. ركض لا يعرف التوقف، وغوص فى مسارات موحلة، وتسلق عبر الجدران العالية بأيدٍ خشنةٍ من

كثرة التمارين. يزحفون على الرمال الحارقة، ويخترقون الأدغال بشراسة المحاربين. قفزاتهم كأنها طيور جارحة، انسيابية وقوة، وعيونهم على هدف بعيد كأنهم يلتقطون ظلًا للعدو. بين كل تمرين وآخر، تُسمع

أوامر صارمة تخترق الهواء كالرعد، فى استعراض صارم للالتزام والانضباط. الأسلحة على أكتافهم تتحرك بتناغم مع خطواتهم، وكأنها امتداد لأيديهم. إنها لحظات يتمازج فيها الجسد والإرادة فى صورة تنطق بالشجاعة.

يقول الضابط أمام استعراض الجنود للتدريبات على الإعاشة الصعبة على بعض النباتات والحيوانات، إن هذا التدريب يعكس قوة التحمل والإعداد النفسى لمواجهة أى ظرف طارئ، وإن الهدف من ذلك ليس لغرض الإشباع، لكنه لغرض الإعاشة فقط، وهنا تدخل شباب الجامعات، ممن كانوا يرافقوننا فى الرحلة مشدوهين مما يراقبونه، بعدة أسئلة، خاصة أن بعضهم سيكون هنا فى قادم الأيام لقضاء خدمته العسكرية.

وبأعين لا تخطئ الهدف، استعرض أفراد فرق القنص براعتهم فى إصابة الأهداف بدقة مذهلة، معلنين أن الصبر والتركيز هما مفتاح النجاح. الرصاص يشق الهواء، كأنه رسائل حادة للعدو الافتراضى، ليؤكد أنهم جاهزون لطى الأرض فى أى بقعة قد تشكل تهديدًا على مصر وشعبها.

الدستور
20 يناير 2025 |