مع أول أيام العام الميلادى الجديد، أود أن أهنئكم جميعًا ببدئه، راجيًا من الله أن يعم بالخير والسعادة والسلام عليكم جميعًا، وعلى بلادنا الحبيبة مصر، والعالم بأسره.
ونحن نودع عامًا بكل ما حمله من خير وسعادة وألم، ونستقبل آخر يمتلئ بآمال وأمنيات، نصلى إلى الله أن يكون عام السلام، وعام تحقيق الأحلام التى وضعها كل إنسان أهدافًا لحياته. وهنا أتذكر كلمات مَثَل قصَّه السيد
المسيح حين أُخبر بأن الملك قد قتل عددًا من الجليليين، وهم يقدمون عبادتهم إلى الله: وَقَالَ هٰذَا الْمَثَلَ: كَانَتْ لِوَاحِدٍ شَجَرَةُ تِينٍ مَغْرُوسَةٌ فِى كَرْمِهِ، فَأَتَى يَطْلُبُ فِيهَا ثَمَرًا
وَلَمْ يَجِدْ. فَقَالَ لِلْكَرَّامِ: هُوَذَا ثَلاثُ سِنِينَ آتِى أَطْلُبُ ثَمَرًا فِى هذِهِ التِّينَةِ وَلَمْ أَجِدْ. اقْطَعْهَا! لِمَاذَا تُبَطِّلُ الْأَرْضَ أَيْضًا؟ فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: يَا
سَيِّدُ، اتْرُكْهَا هذِهِ السَّنَةَ أَيْضًا، حَتَّى أَنْقُبَ حَوْلَهَا وَأَضَعَ زِبْلاً. فَإِنْ صَنَعَتْ ثَمَرًا، وَإِلاَّ فَفِيمَا بَعْدُ تَقْطَعُهَا؛ وهذا المثل يحدثنا عن الكرم والكَرّام، أى العالم
والله، فدنيانا هذه هى كرم وضع الله فيها البشر ليعملوا ويثمروا، وكل إنسان له رسالة وسيرة سوف يُسأل عنهما أمام الله، وسوف يطلب منه ثمر أيامه فى العالم كى ما يقدمها أمامه؛ فما المصير إن لم يكُن له الثمار التى ترضى الله؟!
إن رسالة العام الجديد هى رسالة تحذير وتنبيه: ماذا لو طلب الله ثمرًا ولم يجد؟؛ وهذا بدوره يتطلب من كل إنسان أن يتمهل قليلاً ليُلقى نظرة على أيامه التى مضت، ليرى هل أثمرت، أم تراها مضت بلا معنى أو هدف حققه! إن المثل الذى قصه
السيد المسيح على الشعب، لَيضعنا أمام حقيقة لا مفر لنا منها: كيف مرت بنا أيام العمر؟! وماذا حققنا فى رحلة الحياة؟! يوجد من يحملون أثمار خدمتهم للآخرين، ويوجد من يقدمون ما بذلوه من جهد وأمانة فى مساعدة كل من التقَوه فى مسيرات
حياتهم. وهنا يأتى سؤال: ما ثمار حياة كل منا؟! إن لم تجد ثمار خير قمت به فى أيامك، فلا تقلق أو تنزعج، فالفرصة لاتزال لتغير من حياتك؛ ولتكُن لك تلك الكلمات حافزًا ورجاءً: يا سيد، اتركها هذه السنة أيضًا حتى أنقُب حولها وأضع زِبلاً.
وأولى خطوات الإنسان هى إدراكه أنه يحتاج إلى تغيير اتجاهه فى الحياة. لكن لن تتغير حياة الإنسان إلا حين تتغير نظرته واتجاهاته ومشاعره، فى إرادة وتصميم أن يصبح لحياته معنى وهدف إنسانى تجاه
أسرته ومجتمعه ونفسه، وأن يصاحب ذلك الهدف سلوك إنسانى رحيم محب يتسم بالخير لكل من يلتقيه فى الحياة. لقد أوصى الله بالسلام ومحبة الجميع وتقديم الخير، إذ هو صانع الخيرات: سَمِعْتُمْ أَنَّهُ
قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأَجْلِ
الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَى تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِى فِى السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الْأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ،
وَيُمْطِرُ عَلَى الْأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ... فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِى فِى السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ. إن الخير هو من الله، وكل من يصنع الخير فهو يسلك فى نور الله.
إن الحياة التى منحنا إياها الله هى هبة علينا أن نحترمها ونقدرها، باستثمار كل لحظة فيها نحو تحقيق الرسالة الخاصة التى ائتمن الله كلًا منا عليها، فنسعى فيها بكل أمل وفرح وسلام، فى ثقة كاملة أن الله، واهب الخير والعطايا لجميع البشر فى كل صباح، سيهب لنا القوة والحكمة كى نقدم الخير للجميع.
كل عام وأنتم بخير وسلام، و... والحديث فى مصر الحلوة لا ينتهى!
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى