عرضت المقالة السابقة إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة موافقتها على قرار تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية فلسطينية، مع تدويل منطقة القدس فى 29/11/1947، ثم حدثت اشتباكات
عديدة بين الجانبين الصهيونى والعربى، ومنها مجزرة دير ياسين فى التاسع من إبريل، لتشهد القرية إحدى مآسى العصر الحديث، ويستوطنها الصهاينة، وأشرت إلى تألُّف جيش عربى خاض معركة
1948م، ففى منتصف مايو 1948م، أعلن المجلس اليهودى بـتل أبيب قيام دولة يهودية فى فلسطين فور انتهاء الانتداب، ليتبعه إعلان الحكومة البريطانية إنهاء انتدابها فى فلسطين؛ لتندلع شرارة الحرب.
ومع بدء الحرب هاجمت الجيوش العربية من مصر وسوريا والعراق والأردن ولبنان المستوطنات الصهيونية بـفلسطين، وهاجم الجيش المِصرى تجمعات كفار داروم ونيريم بمنطقة النقب،
وقاتلت بقوة فى معركة الفالوجا، ويذكر موقع القدس: فاستولى الجنود المِصريون المكلفون بحماية القطاع الجنوبى لـ(فلسطين) على ثلاث مستعمرات يهودية، واقتربوا من تل أبيب حتى صار
بينهم وبينها عشرون كيلومترًا فحسب. وفى 16/5/1948 عبرت ثلاثة ألوية أردنية نهر الأردن لتكوِّن جبهة قوية ألحقت خسائر كبيرة بالقوات الإسرائيلية. كذلك خاض الجيش العراقى معارك
ضارية شَمال الضفة الغربية بمدينة جنين، التى حُررت من القوات الصهيونية. أما القوات النظامية اللُّبنانية فقد استولت على قريتى المالكية وقَدَس بالجليل الأعلى جنوب الحدود اللبنانية.
ومن أهم المعارك التى شهِدتها مدينة السلام، وأشرسها سنة 1948، معركة باب الواد، على الطريق الرابط بين القدس وتل أبيب، فقد بدأ العرب بتخريب ذلك الطريق الذى كان يحتوى آنذاك على أكبر تجمع يهودى، وهو الوحيد الممهد إلى
بلوغ منطقة باب الواد، فخرّبوه وأتلفوا أنابيب المياه التى تمد الأحياء اليهودية فى القدس بمياه الشرب من رأس العين، ويذكر موقع القدس: وحاول اليهود تشتيت القوات العربية، وتخفيف الضغط على أتباعهم عند (باب الواد)،
وحاولوا الاستعاضة عن الطريق المخرب بطرق أخرى، وشنوا هجمات على المرتفعات بين قرية (النبى صموئيل) ويدّو (بِدُّو) و(بيت سوريك)، لكنهم فشِلوا فى التقدم، وتراجعوا عن مواقعهم فى التلال المطلة على (باب الواد) عند قرية
(بيت مَحْسِير). ثم جاءت القوات الأردنية وتمركزت فوق المرتفعات بين اللَّطرون وباب الواد، لتقوم بصد الهجمات الصهيونية فقط دون تحقيق أى تقدم آخر. وقد استطاع الفلسطينيون السيطرة على باب الواد، وخسر اليهود كثيرًا من قواتهم.
ومع تقدم الجيوش العربية، تدخل مجلس الأمن حيث فرض إيقاف إطلاق النار فى 29/5/1948، على 12 نقطة، منها:
إن مجلس الأمن، رغبةً منه فى التوصل إلى إيقاف الأعمال العدائية فى فلسطين، دون إجحاف بحقوق ومطالب وموقف العرب أو اليهود:
1ـ يدعو جميع الحكومات والسلطات المعنية إلى أن تأمر بإيقاف جميع أعمال العنف المسلح لمدة أربعة أسابيع.
2ـ يدعو جميع الحكومات والسلطات المعنية إلى أن تتعهد بألا تُدخل رجالاً محاربين إلى فلسطين، ومصر، والعراق، ولبنان، والسعودية، وسوريا، وشرق الأردن، واليمن، فى أثناء فترة وقف إطلاق النار.
3- يدعو جميع الحكومات والسلطات المعنية- فى حال إدخال رجال فى سن العسكرية إلى البلاد أو الأراضى التى تقع تحت سيطرتها- إلى أن تتعهد بألا تستفزهم أو تُخضعهم للتدريب العسكرى فى أثناء فترة وقف إطلاق النار.
4ـ يدعو جميع الحكومات والسلطات المعنية إلى أن تمتنع عن استيراد أو تصدير مواد حربية من أو إلى فلسطين، ومصر، والعراق، ولبنان، والسعودية، وسوريا، وشرق الأردن، واليمن، فى أثناء فترة وقف إطلاق النار.
5ـ يحثّ جميع الحكومات والسلطات المعنية على أن تتخذ كل الاحتياطات الممكنة لحرية الأماكن المقدسة ومدينة القدس، بما فى ذلك حماية حرية الوصول إلى جميع المزارات والمعابد بغرض العبادة من قبل من لهم حق مثبت فى زيارتها والعبادة فيها....
إلا أن إسرائيل لم تلتزم بقرار مجلس الأمن، وسارعت بجمع السلاح بكم هائل، وتطوع عدد كبير من يهود أوروبا للقتال. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل خرقت القوات الصهيونية الهدنة واتجهت نحو الفالوجا حيث تتمركز القوات المصرية، فحاصرتها بعد أن كادت تقترب من تل أبيب، مستأنفة الحرب يوم 8/7/1948 فى خرق واضح للهدنة، و... ولايزال حديث القدس يأخذنا، والحديث فى مصر الحلوة لا ينتهى!.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى