احتل الشهيد العظيم مارمينا العجايبي، مكانة هامة ومتميزة في قلوب الأقباط جميعا، ولقد تضاعفت هذه المكانة كثيرا بعد اعتلاء القديس البابا كيرلس السادس ( 1959- 1971) كرسي مارمرقس واهتمامه بتعمير دير الشهيد العظيم، كما سنرى في النهاية.
توجهت “وطني” للباحث ماجد كامل الذي سرد لنا قصة حياته واستشهاده:
لقد ولد في عام 285 م تقريبا ببلدة نقيوس محافظة المنوفية، وكان والده أودكسيوس حاكما للمدينة، وأمه تدعى أوفيمية، وكانت امرأة تقية ولكنها كانت عاقرا ؛ فتشفعت بالسيدة العذراء كثيرا ؛ وفي
ليلة 21 طوبة ليلة عيد نياحة السيدة العذراء، وقفت أوفيمية أمام أيقونة السيدة العذراء بكنيستها الأثرية بأتريب وطلبت بالحاح أن يهبها الله نسلا مباركا، فسمعت صوتا صادرا من الأيقونة يقول
“آمين” ( وهي معني كلمة مينا باللغة القبطية )، ففرحت جدا بهذا الصوت واعتبرته وعدا إلهيا بالطفل “مينا ” وبالفعل أنجبت أوفيمية “مينا ” وربته تربية مسيحية حقيقية، توفي والده وهو في سن
الحادية عشر ؛ ثم لحقت به والدته وهو في سن الرابعة عشر ؛ عين بعدها ضابطا في الجيش الروماني ؛ ولكن تعلقت نفسه بحياة الرهبنة ؛ فوزع كل امواله علي الفقراء والمساكين، وتوجه إلى البرية ليتوحد فيها.
وفي ذلك الوقت صدر منشور الإمبراطور دقلديانوس يأمر فيه بالسجود للأوثان، فشاهد مارمينا في رؤيا أرواح الشهداء وهي تصعد إلي السماء مكللة بالأكاليل، فاشتاقت نفسه للاستشهاد، فسمع صوتا من السماء يقول له “مبارك أنت يا مينا فستنال ثلاثة أكاليل، واحد من أجل بتوليتك، والثاني من أجل حياتك النسكية ؛ والثالث من أجل استشهادك.
وسوف أجعل الناس من كل قبيلة ولسان يأتون إلى كنيستك التي ستبني علي أسمك “. فانطلق مارمينا إلى المدينة، وأعلن إيمانه أمام الوالي الروماني، فسأله الوالي “لماذ تركت جنديتك ؟ وكيف تعترف أنك مسيحي؟ “فأجابه مارمينا “إني جندي
حقا ؛ لكني فضلت أن أكون جندي للمسيح “. فوضعوه في الهنبازين، وكشطوا جسمه، ثم سحبوه على أوتاد حديدية، وأخذوا يدلكون جراحاته بأقمشة ساخنة، ثم ألقوه في السجن، وفي اليوم التالي استدعاه الوالي ؛ وأخذ يلاطفه ويمالقه ؛ ولما لم يجد
منه فائدة استمر في تعذيبه ؛ ولما يأس منه الوالي تماما ؛ امر بقطع رأسه بالسيف ؛ وفي يوم الاستشهاد ركع مارمينا وصلي إلى السيد المسيح أن يقبل روحه ؛ ثم ضربه السياف بالسيف ؛ فاشتسهد في 15 هاتور حوالي عام 309م ؛ وكان عمره حوالي 24 عاما.
قصة اكتشاف القبر :
ولقد ظل مكان قبره مجهولا ؛ حتى اكتشف بالصدفة عندما مر فوق جسده إنسان كسيح ؛ ونام فوقه ؛ وعندما عثر عليه والداه قام بايقاظه ؛فوجدا يقوم ويجري، فنظر أهل القرية نورا يخرج من القبر ؛
وبعد فترة قصيرة ؛ كان احد الرعاة يرعي غنمه ؛ وإذ بخروف أجرب ينزل في بركة وخرج منها يتمرغ في تراب القبر ؛ فبريء الخروف من الجرب ؛فذهل الراعي جدا ؛ ولقد أنتشر خبر هذه الرمال العجيبة
التي تصنع معجزات الشفاء ؛ حتي وصلت إلي مسامع ملك القسطنطينية ؛ وكانت يوجد لديه أبنة مصابة بالجزام، فأرسلها إلى مصر مع حاشية كبيرة ؛ فتمرغت في تراب القبر وغسلت وجهها بماء البركة
؛ فشفيت في الحال ؛وفي الليل ظهر لها الشهيد وطلب منها أن تحفر في الأرض حتي تصل إلي مكان رفاته المقدسة ؛ وبالفعل حفرت ووجدت الرفات المقدسة ؛ فقام البابا اثناسيوس الرسولي ببناء
كنيسة علي أسم الشهيد مارمينا ؛ وكان ذلك في عصرالإمبراطور جوفيان ( 363- 364 م) ؛ثم قام الأنبا ثاؤفيلس الطريرك رقم 23 (385- 412م ) بتوسيع ببناء كاتدرائية كبرى في عهد الإمبراطور أركاديوس ( 395 – 408 ).
أولا : أشهر الكنائس الأثرية التي على أسم الشهيد : كنيسة مارمينا فم الخليج :
أما عن أشهر الكنائس والاديرة الاثرية التي علي أسم مارمينا ؛ تأتي كنيسة مارمينا فم الخليج في الخليج في المقدمة ؛ فهي تعتبر من أقدم الكنائس التي علي أسم مارمينا في مصر.
فلقد قال عنها أبو المكارم في موسوعته “تاريخ أبو المكارم ” تحت أسم دير وكنيسة ماري مينا ” فصل الدير المعروف بالشهيد أبو مينا صاحب الثلاثة أكاليل النازلة عليه من السماء وهو من أهل نقيوس وجسده الطاهر مدفون في كنيسة مريوط جدد بناها في خلافة هشام ابن عبد الملك.
وبالكنيسة انبل رخام ملون أكثره احمر شفاف محمول علي عمد رخام محكم الصنعة وكانترة خشب ويجاوره من الجانب البحري بمذبح وعليه مقطع خشب باسم الشهيد مرقوريوس أهتم به الشيخ
أبو الفضل ابن الاسقف وعلي المذبح في الاسكنا قبة خشب محمولة علي عمد رخام ومقطع خشب ويجاور هذه البيعة الدير بباب مفرد وفيه عدة من الرهبانات في مساكن متفرقة وفيه بئر
ماء اهتم بحفره وعمارته الشيخ ابو زكري الصيرفي وذلك في الخلافة الفاطمية ” ( المرجع المذكور :- الجزء الثاني ؛ إعداد الانبا صموئيل أسقف شبين القناطر وتوابعها ؛ صفحة 36 : 38 ).
كما كتب عنها المقريزي، فقال: تحت اسم كنيسة بومينا ” هذه الكنيسة قريبة من السد ؛فيما بين الكيمان، بطريق مصر، وهي ثلاث كنائس متجاورة :- إحداهما لليعاقبة ( يقصد الأقباط)، والأخرى للسريان، وأخرى للأرمن ” ( تاريخ الأقباط للعلامة
المقريزي :- تحقيق عبد المجيد دياب ؛دار الفضيلة ؛ 1995 ؛ صفحة 194 ) ثم أضاف تحت اسم كنيسة بو مينا بالحمراء بخط قناطر السباع ؛ وأحدثت هذه الكنيسة في عهد الوليد بن رفاعة سنة سيع عشرة ومائة من سني الهجرة ” ( نفس المرجع السابق ؛ صفحة 196 ) .
أما الرحالة الألماني الشهير فانسليب ( 1635 – 1679 ) فلقد ذكرها في كتابه “تقرير الحالة الحاضرة لمصر 1671 ” فقال عنها ” في مصر القديمة كنيسة الطوباوي الشهيد ماري مينا الذي ندعوه نحن القديس منا ” ( تقرير الحالة الحاضرة 1671 ؛ تاليف فانسليب، ترجمة وديع عوض ؛تقديم الدكتور محمد عفيفي :- المشروع القومي للترجمة تحت رقم 1005 ؛ صفحة 152 ).
وقال عنها علي باشا مبارك في كتاب ” الخطط التوفيقية الجديدة لمصر والقاهرة تحت ‘اسم “دير مارمينا العجائبي فقال عنها ” قبلي القاهرة بطريق مصر العتيقة قديم العهد ؛ وكان هذا الدير تحت نظارة المعلم الشهير إبراهيم الجوهري ؛ وله فيه وفي كنيسته أتعاب في العمارة والإصلاح.
وفي المدة الأخيرة كانت نظارته للشهير من معتبري المحروسة المعلم تادرس جرجس جلبي ذي الهمم والمآثر الحميدة والمساعدات الجزيلة لكثير من كنائس الأمة ؛وعندما توفي سنة 1577 للشهداء دفن في ضريحه الكائن بهذا الدير من
الجهة الغربية يحيط به سور مخصوص ويعلوه منزل منتظم يجتمع فيه أولاده المحترمون وعائلاتهم في أيام مخصوصة “( المرجع المذكور :- علي باشا مبارك ؛ الجزء السادس ؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛مكتبة الأسرة 2008 ؛ صفحة 236 ).
كما كتب عنها أيضا الدكتور رؤوف حبيب في كتابه “الكنائس القبطية القديمة بالقاهرة “حيث قال ” يوجد بين القاهرة ومصر القديمة دير محاط باسوار ويحوي بداخله كنيسة قديمة وهبت على اسم القديس مينا ؛ويحتمل أن يكون إنشاء الكنيسة قد تم في أوائل القرن الخامس للميلاد ؛ ولقد ذكر المقريزي أن بناءها قد أعيد في زمن الأنبا تيؤدوسيوس البطريرك الخامس والثلاثون حوالي عام 730 للميلاد.
كما ورد ذكرها في تاريخ البطاركة والمقريزي وأبو صالح الأرمني.
ولقد طرأ على الكنيسة عدة تعديلات في فترات مختلفة أهمها تنازل بطريرك القبط للأرمن عن الجانب البحري من الكنيسة ليقيموا فيه الشعائر الدينية بلغتهم وحسب طقوسهم “( الكتاب السابق ذكره:- الصفحات من 85 – 89 ).
وذكرها أيضا المتنيح نيافة الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر في موسوعته “دليل الكنائس والأديرة في مصر ” فقال عنها ” تقع هذه الكنيسة وسط مدافن فم الخليج، ذكر أبو المكارم هدمها سنة 725م وإعادة بناءها في
نفس السنة وذكر تخريبها مرة ثانية سنة 1164م وإعادة بناءها سنة 1190 م في عهد البابا يؤانس السادس (74) “1189- 1216 ” وذكر نهبها في عهد الناصر بن قلاوون سنة 1321 م وذكرإعادة بناءها في عهد البابا بطرس السادس (104 )”1718- 1726 م”.
ويتكون مجمع الكنائس من كنيستين إحداهما البحرية لمارمينا وهي ترجع إلى القرن 18م والأخري الجنوبية لماربهنام وأخته سارة وهي ترجع إلي القرن 11 م.
( الكتاب السابق ذكره :- الناشر المؤلف ؛ الصفحات 98 و99 ).