قرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرتى اعتقال فى حق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، للأسف، قرار عظيم تنقصه إرادة التنفيذ.
قرار قيد التنفيذ، وسيظل قيد التنفيذ، وسيُضاف إلى قرارات أممية عظيمة قيد التنفيذ منذ عقود خلت، وأغلبها يخص القضية الفلسطينية المهضومة عدليًّا.
قرار أخشى أنه كالعدم تنفيذًا. لا قوة عسكرية دولية تقوم على تنفيذه، فضلًا عن أنه غير ملزم سوى للدول التى صدقت على نظام روما، واللجوء إلى مجلس الأمن الدولى لإصدار إلزام يستحيل فى ظل الفيتو الأمريكى، (كما يخبرنا الفقيه القانونى الدكتور محمود كبيش).
ويستدرك الدكتور كبيش: إلا أن هذا القرار له أهمية لا يمكن إنكارها من الناحيتين السياسية والتاريخية، فلأول مرة يُسند إلى قادة الكيان الصهيونى اتهام رسمى من المحكمة الجنائية، التى أنشأها المجتمع الدولى، بارتكاب جرائم دولية معاقب عليها بعقوبات بالغة الجسامة، وفى نفس الوقت (وصم) لهذا الكيان بالإجرام الدولى بما يُعتبر معه كيانًا منبوذًا عالميًّا.
ويكفى أن المجرميْن الصادر بشأنهما قرار القبض لن يجرؤ أى منهما على التواجد فى أى من الدول التى أعلنت أنها ستنفذ القرار، ومنها دول أوروبية كبرى، فضلًا عن دولة (كندا)، وهى دول كانت داعمة للكيان الصهيونى، ولا تزال على مر العصور.
العيار اللى ما يصيبش يدوش، وكذا القرار. الحكم صدر كرصاصة هزت أعصاب قادة الكيان الصهيونى، الفزع الذى بات عليه نتنياهو وعصبته تبرهن عليه حالة الصراخ الإسرائيلى التى بلغت البيت الأبيض. حالة إنكار واستنكار، والرفض والاستهجان، وكَيْل الاتهامات جزافيًّا للمحكمة، بالقول إنها هيئة سياسية منحازة وتمييزية.
وذهب مكتب نتنياهو إلى محاولة بائسة للهروب من الوصمة، العار، باتهام قضاة المحكمة جزافيًّا بالفساد. نصًّا من بيان مكتب نتنياهو: القرار صدر عن مُدَّعٍ عام فاسد يسعى إلى إنقاذ نفسه من الاتهامات الخطيرة ضده بشأن التحرش الجنسى، ومن قضاة منحازين مدفوعين بكراهية معادية للسامية تجاه إسرائيل.
التهمة جاهزة، كالعادة، معاداة السامية، تهمة مطلقة السراح، مثل عبوة حارقة تُلقى فى وجه مَن يقول فى وجه إسرائيل (لا). كفى إبادة وحرقًا وتدميرًا وإزهاقًا للأرواح البريئة. إنهم يقتلون الخدج الرضع بدم بارد.
معاداة السامية، تهمة مطاطة تتسع لإدانة العالم بأسره، وليس قضاة المحكمة فحسب، وكأن العالم تفرغ لمعاداة اليهود، تهمة تُوجه إلى كل مَن تسول له نفسه المَسّ بشخوص مجرمى الحرب.
وحتى لا تَشِيه المعانى وتتبدد فى الفضاء الإلكترونى، معاداة السامية أو معاداة اليهود Anti-Semitism، بالمعنى الحرفى أو اللغوى ضـد السامية، وتُترجَم أحيانًا إلى اللاسامية. استخدم المصطلح الباحث الألمانى فيلهم
مار، أول مرة، لوصف موجة العداء لليهود فى أوروبا الوسطى فى أواسط القرن التاسع عشر، ومع انتماء العرب والآشوريين وغيرهم إلى الساميين، فإن معاداتهم، وسحق عظامهم، وقتل نسائهم وشيوخهم وأطفالهم جهارًا
نهارًا، لا تُصنف معاداةً للسامية. معاداة اليهود فقط تُعدّ شكلًا من أشكال العنصرية. أما جرائمهم، جرائم الإبادة الجماعية التى يندى لها جبين البشرية فلا تُصنف معاداة للسامية. السامية بريئة منكم، وتسمو على وحشيتكم.