كناسة الدكان عنوان (أيقونة) طيب الذكر، الروائى الراحل يحيى حقى. العنوان الأصلى لهذا الكتاب كُنَّاشة الكان، وقد تغيرت كلمة كناشة بخطأ لغوى لا يُغتفر إلى كناسة.
غفر الكبير يحيى حقى الخطأ (بعد زمن)، إلى أن تحول الغفران إلى قبول الخطأ، ووافق حقى على استمرار كلمة كناسة على عنوان خلاصة عمره.
تذكرت الكتاب (الأيقونة) فى (ثمانينية) المفكر الكبير، الدكتور مصطفى الفقى، وتخيلت كتابًا من تأليف الكبير على نهج حقى، يحمل عنوانًا مشابهًا. صحيح أن الكناسة تختلف خلاصاتها الحياتية. عند حقى ذائقتها أدبية، وعند الفقى سياسية.. ولكنها فى الأخير عصير العمر، إن جاز التوصيف.
فى عيد ميلاده الثمانين، فى رقبة الدكتور مصطفى الفقى دَيْن لجمهرة القراء والمحبين. فى رقبته (مقال) لم يكتبه بعد، يجمع فيه خلاصة عقود عبرت من عمره، أطال الله فى عمره.
ماذا سيخط الكبير بمداد قلمه، كيف يلخص رحلة الثمانين فى سطور منيرة؟، كناسة دكان الفقى تحوى الكثير من الخلاصات الحياتية. الخلاصات ما ننتظره من الكبير. خلاصات من نبع فيضه الوطنى مُذابة فى حبر قلبه لذة المحبين.
يظل الدكتور مصطفى الفقى استثناء لافتًا فى الحالة المصرية، بفكره الموسوعى، وعقليته المنفتحة، وإطلالته على الأفكار والنظريات السياسية العالمية.
الفقى ابن المدرسة الدبلوماسية المصرية العريقة، عميد لشبابها، سفير يُشار إليه بالبنان، ذو اتصالات إقليمية وعالمية لافتة، يتمتع بحس سياسى جعله مُقرَّبًا من صناع القرار فى العالم العربى اقترابًا وطنيًّا خالصًا، يضع عَلَم مصر أمام ناظريه لا تعدو عيناه عنه.
الكبير، صاحب الحس الفكاهى والتشبيهات النابعة من طين الأرض الطيبة، مهموم بوطنه، حادب على سلامته، فاهم لخريطته، محب لمكوناته، دارس لتشكيلته الوطنية والدينية، ويتمتع بثقة المؤسسات الوطنية السياسية، والدينية، يجمع فى قلبه بين (الهلال والصليب).
الفقى له من اسمه نصيب، والفقى تذهب لغويًّا إلى (الفقيه اللغوى)، وهو العالِم المتخصص فى فقه اللغة الذى يحاول الكشف عن أسرار اللغة والوقوف على قوانينها الحاكمة، ومعرفة سر تطورها، ودراسة ظواهرها المختلفة، دراسة تاريخية ووصفية.
وكذا يوصف الفقى سياسيًّا، مفطور على السياسة، ويفقه فى أصول الحكم، مُولَع بـلعبة الأمم، واقترب من القصور العالية، وعاش بين ظهرانينا.
يوصَف خبيرًا بأسرار السياسة وأصول الحكم، وكتبه- فضلًا عن دراساته ومقالاته المعمقة- تأخذ بأيدينا لفهم ما يدور فى قصور الحكم بحكم اقترابه من غرف صناعة القرار.
صاحب الجملة الرصينة يغمس قلمه فى نيل مصر ليرسم فى مقالاته خطوط لوحات لشخصيات مصرية يراها بعدسات نظارته المقربة التى يتفحص بها وجوه الحالة المصرية ويقع بها على المحبين لتراب هذا الوطن.
صاحب تعبير (الطابق المسحور، والجيل المقهور)، لم يغادر موقعه من الإعراب الوطنى، لا يزال فى عطاء النيل، كما الراوى فى الحكى الشعبى، يقص علينا من قصصه، خلاصة تجربته الفكرية، ويضيف إلينا من أفكاره التى تتجاوز المحلية إلى العالمية، ويذهب بنا إلى آفاق محلقة فى سماء الوطن.. فى عيد ميلاده الثمانين يصح قول أبى العلاء المعرى: تعبٌ كُلُّها الحياةُ...