من بين الآباء المطارنة الذين كانت لهم مكانة كبيرة ومتميزة فى الكنيسة نظرا لما قدمه من خدمات ، يأتى نيافة الأنبا بنيامين مطران المنوفية الراحل من بين هؤلاء.
ميلاده ونشأته :
ولد "عزمي راغب ميخائيل " فى 21 فبراير 1914 ، بمدينة أخميم محافظة سوهاج ، خدم فى صباه بكنيسة السيدة العذراء بسوهاج ،.
تلقى تعلميه الأولي فى المدارس الابتدائية المتخصصة بسوهاج ، ثم المدرسة الثانوية حتى نال شهادة البكالوريا عام 1932.
بعد التخرج عمل فى إحدى الشركات الفرنسية المتخصصة فى صناعة السجائر ، ولم يكن فى بداية حياته شابا ملتزما بمحبة الكنيسة ، بل كان منغمسا بلهو الشباب والسهر .... الخ.
الأسباب التي دعته إلى التوبة والرجوع إلى حضن الكنيسة :
مر عزمي راغب ببعض الظروف العائلية الخاصة التي دفعته إلى التفكير فى تغيير مساره ، منها وفاة زوجة أخيه وبناتها الثلاث بداء التيفود ، وكان ذلك خلال عام 1939 ، ثم توفيت والدته وشقيقه الأصغر لنفس السبب ، وفى عام 1941
توفى شقيقه الأكبر عائل الأسرة المشهود له بالفضيلة ، فتأثر الشاب عزمي راغب كثيرا بتلك الأحداث المتلاحقة ،وخصوصا عندما سمع بأذنيه تعييرات بعض المشيعين مندهشين لحكمة الله كيف يأخذ الله روح الأخ الفاضل المحب
للكنيسة ، ويترك الشاب العاق المستهتر ، فتأثرت نفس "عزمي "جدا من هذه الأقاويل ، ومن يومها قرر عزمي أن يترك حياة اللهو ، وبدأ فى التقرب إلى الله بالصوم والصلاة وقراءة الكتاب المقدس ، وممارسة وسائط النعمة المختلفة.
ثم قرر أن يستقيل من عمله ، واتجه إلى دير السيدة العذراء المحرق ، إلا أنه إزاء إلحاح والده عليه ، عاد إلى المنزل وقضى مدة ثلاثة سنوات.
توجهه للرهبنة فى دير السيدة العذراء "براموس " :
فى صباح يوم 2 يوليو 1945 ، ترك "عزمي راغب " المنزل دون أن يخبر أحدا ، وتوجه إلى دير البراموس ، ثم أرتدى زي الرهبنة يوم 12 أبريل 1946.
وكان رئيس الدير فى ذلك الوفت هو القمص "برنابا البرموسي " ( 1867- 1962 ).
تاريخ رسامته قسا ثم وكيلا للدير :
رسم قسا بتاريخ يوم 26 مارس 1947 ، ثم أختير ليكون أمينا للدير ( ربييتة ) يوم 24 اغسطس 1947 ، ثم وكيلا للدير عام 1950.
تاريخ ترقيته قمصا :
تمت ترقيته قمصا يوم 23 يناير 1949 ، بيد قداسة البابا يوساب الثانى ( 1946- 1956 ) بابا الكنيسة القبطية رقم 115 .
تاريخ رسامته أسقفا على المنوفية :
بعد نياحة نيافة الأنبا ديمتريوس مطران المنوفية ( 1930- 1950 ) ، رشحه الأنبا مكاريوس رئيس دير البراموس أسقفا على المنوفية ، وتحمس كهنة المنوفية جدا لهذا الترشيح ، وقاموا بجمع توقيعات لجميع أبناء الأيبارشية.
وبالفعل تمت رسامته أسقفا على المنوفية يوم الأحد 26 نوفمبر 1950 .
تاريخ ترقيته إلى رتبة المطران :
تمت ترقيته بعد حوالى 12 شهرا من أسقفيته ، وتحديدا يوم 27 يناير 1952 ، وذلك فى نفس يوم رسامة الأنبا أنطونيوس مطران سوهاج ( 1952- 1982 ) ، ونيافة الأنبا بطرس أسقف أخميم وساقلته ( 1952- 1978 ).
أهم الإنجازات التي قام بها فى المطرانية :
1- قام ببناء الكنائس فى إيبارشيته مثل 0 كنيسة أمير الشهداء مارجرجس بميت عفيف – كنيسة الأنبا مكاريوس بنشنشور – كنيسة القديسة دميانة ).
كما قام بترميم وتجديد بعض الكنائس مثل ( كنيسة العذراء أم النور بسبك الأحد – كنيسة العذراء ببمم – كنيسة العذراء بجريس أشمون – كنيسة العذراء بشبين الكوم – كنيسة مارجرجس بحصة إكوا – كنيسة مارجرجس بطوخ النصارى ).
كما ساهم فى صلاة تكريس كنيسة مارجرجس بأبو النجا بطنطا مع مطرانان آخران.
2- قام برسامة عدد كبير من الآباء الكهنة خارج نطاق إيبارشيته بناء على تكليف من قداسة البابا كيرلس ، لعل من أشهرهم القمص بيشوي كامل ( 1931- 1979 ) ، والقمص قسطنطين نجيب ( 1932- 2017 ) .كما قام بترقية الدكتور وهيب عطا الله جرجس إلى رتبة " الارشيدياكون " في يوم الأربعاء 16 ديسمبر 1959 ، وتمت الرسامة في كنيسة السيدة العذراء والأنبا رويس بالعباسية .
عضويته فى الهيئات القبطية المختلفة :
3-كان نيافته عضوا فى العديد من الهيئات نذكر منها ( هيئة الأوقاف القبطية – وفد الكنيسة القبطية للحوار مع أثيوبيا – عضو وفد الكنيسة القبطية بخصوص مشكلة دير السلطان – عضوا فى الوفد الرسمي الكنسي
لاستقبال كثير من رؤساء الكنائس المختلفة مثل ( زيارة بطريرك القيطنطينية عامي 1959 ، 1936 – زيارة بطريرك موسكو ألكسيس عام 1960 – زيارة بطريرك البلغار عام 1962 – زيارة الأسقف مكاريوس رئيس جمهورية قبرص عام 1961 ).
4-شارك فى الوفد الذي أرسله البابا كيرلس السادس إلى أثيوبيا للحوار مع الإمبراطور هيلاسيلاسي من أجل تدعيم العلاقة بين الكنيستين ، أما بقية أعضاء الوفد فهم ( الأنبا لوكاس الأول أسقف منفلوط وأبنوب – الأنبا يؤانس أسقف الخرطوم والجنوب – اللواء فريد منقريوس – الدكتور مراد كامل –الأستاذ أميل دوس – الأستاذ أمين فخري عبد النور ).
عضويته فى المجلس البطريركي بعد عزل البابا يوساب الثاني :-
بعد قرار المجمع المقدس بعزل البابا يوساب الثاني وسفره إلى دير المحرق ، أجتمع المجمع المقدس يوم 27 سبتمبرر 1955 ، وانتخب ثلاثة من المطارنة لإدارة الكنيسة وهم :-
1-الأنبا أغابيوس مطرن ديروط .
2-الأنبا ميخائيل مطران أسيوط.
3-الأنبا بنيامين مطران المنوفية.
ولقد كان الأنبا بنيامين ضد قرار عزل البابا ، وكان رأيه أنه يمكن أن يكون معه مجلس يساعده بحيث لا يصدر قرارا إلا بوجود هذا المجلس وعلم قداسة البابا ، لكن عملية عزل البابا مرفوضة ، ولكن إزاء قرارات المجمع أضطر أن يوافق.
ولقد ظهرت حكمة الأنبا بنيامين فى إدارة شئون الكنيسة لمدة عاما كاملا وستة عشر يوما ، حتى انتهت أعمال اللجنة بنياحة البابا يوساب الثاني فى 13 نوفمبر 1956 .
نبوته بمجيء البابا شنودة الثالث بطريركا على الكنيسة من يوم رهبنته :
فى يوم 18 يوليو 1954 ، كان الأنبا بنيامين يجلس مع مجموعة من المحبين يتحاور معهم ، ثم فجاة التفت إليهم وقال " يا أحبائي بطركنا إترهبن النهاردة ؟ " فظهر التعجب على جموع الحاضرين.
ولكنها كانت نبؤة من نيافته إذ انه فى ذلك اليوم ترهبن "نظير جيد رفائيل " فى دير السريان باسم "الراهب أنطونيوس السرياني " ، والذي صار بعد ذلك قداسة البابا شنودة الثالث.
تاريخ نياحته :-
فى مساء يوم الأربعاء الموافق 6 نوفمبر 1963 ، كان موعد زيارة الإمبراطور هيلاسلاسي لقداسة البابا كيرلس بعد عودته من الإسكندرية ومحادثاته مع الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر " ،وكان الأنبا بنيامين من ضمن أعضاء الوفد ، ولكن لاحظ الجميع ظهور أعراض البرد الشديد عليه ، واشاروا عليه بعدم النزول ، ولكنه أصر على النزول ومقابلة الإمبراطور.
وبعد انتهاء الزيارة أشتدت الأزمة الصحية بنيافته ، وفى صباح اليوم التالي 7 نوفمبر 1963 ، أحضروا إليه الاطباء ، فتبين أنه مصاب بجلطة فى القلب مع التهاب رئوي حاد ، فتم نقله إلى مستشفى التوفيق ، وأعدت له انبوبة أكسوجين لتساعده على التنفس.
ولقد كان قداسة البابا كيرلس السادس يتصل به يوميا.
حتى جاء يوم الأثنين 11 نوفمبر 1963 ، وفى تمام الساعة التاسعة صباحا ، مال برأسه وأسلم الروح.
عن عمر يناهز عاما.
ورأس قداسة البابا كيرلس السادس الصلاة على جثمانه الطاهر بحضور أحدى عشر أسقفا.
مراجع المقالة :
1-القمص صمويل تواضروس السرياني : تاريخ البطاركة ، الجزء الثالث ، الطبعة الثالثة ، 2011 ، صفحة 329.
2-أمير نصر :- قيثارة الكنيسة الأنبا بنيامين مطران المنوفية الأسبق ، نوفمبر 1993.
3-مينا بديع عبد الملك : أعمال الآباء المطارنة وأساقفة القرن العشرين ،مطبوعات جمعية مارمينا العجايبى بالإسكندرية ، الطبعة الأولى ، 2004 ، الصفحات من 101- 103 .
4-رضا حنا : آية جميلة فى تاريخ الكنيسة ، الجزء الثامن عشر ، كنيسة العذراء ومارمرقس السول شانتي مالا بري – باريس – فرنسا ، 2004 ، الصفحات من 14- 24 .