بينما يتميز كل دير بمعالمه الفريدة، سواء كانت أثارًا عريقة مثل الأسوار والحصون أو طبيعة خلابة، فإن دير العذراء السريان يحمل لقب أقدم الأديرة الأرثوذكسية، ويتفرد بوجود "باب الرموز والنبوات" و"الشجرة المعجزة" اللذين يزيدانه قدسية وتاريخية.
بني دير العذراء بالسريان في القرن الخامس الميلادي، وسمي بهذا الاسم لأن العديد من الرهبان السوريين أقاموا فيه على مر القرون.
ونسبت الكنيسة الرئيسية في الدير إلى السيدة العذراء، وتحتوي على جداريات رائعة، ويعلو الهيكل قبة مزينة بمشاهد من الكتاب المقدس مثل منظر يصور ميلاد السيد المسيح.
يضم هذا الدير أشهر باب هيكل عبارة عن تحفة فنية فريد
ة هي (باب الرموز) أو (باب النبوات)، وهو عبارة عن حامل أيقونات (صور مسيحية قبطية) يعكس بوضوح الوحدة التي تربط بين الكنائس الأرثوذكسية.
وعن قصه هذا الباب، روى القمص أثناسيوس السرياني مسؤول شرح معالم الدير للزوار - في حوار خاص لموقع صدى البلد الإخباري- أن دير السيدة العذراء والأنبا يحنس كاما الشهير بدير السريان تأسس في القرن الخامس، وأن أهم ما يميزه هو باب النبوات
الذي صنعه الرهبان السريان (من سوريا)، وقد أطلق على الدير اسم "السريان" نسبة إليهم، معقبا: حيث عاش رهبان من الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة جنبا إلى جنب مع الرهبان الأقباط لقرون عديدة (من القرن الثامن إلى القرن السادس عشر).
وأوضح أنه على الرغم من الاختلاف في اللغة والطقوس بين الرهبان السريان والأقباط، إلا أنهم عاشوا في وئام وتسامح، حيث كان الرهبان السريان يؤدون صلواتهم في كنيسة العذراء السريان، بينما كان الأقباط يمارسون
طقوسهم في كنيسة العذراء المغارة، ومن أهم ما صنعوا في الدير كان (باب الرموز) أو (باب النبوات) الذي يمثل سرًا تاريخيًا دينيًا، إذ تجسد رسوماته رحلة المسيحية عبر العصور، بدءًا من ميلاد المسيح وحتى مجيئه الثاني.
وصف الباب ومراحله
وأكمل القمص أثناسيوس السرياني حديثه قائلا: إن باب النبوات يرمز للمراحل التي تمر بها المسيحية من أول ميلاد المسيح حتى المجيء الثاني، فالصف الأول يرمز إلى عصر انتشار المسيحية في عهد الدولة الرومانية وعصر الاستشهاد، ويظهر انتشار المسيحية بقوة ووضوح نتيجة بشارة الآباء الرسل.
وأضاف أن الصف الثاني يرمز إلى عصر الكراسي الرسولية وهي الإسكندرية أورشليم روما أنطاكية قسطنطينية قرطاجة، وهي مرحلة تأسيس الكنائس الرسولية التي أسسها رسل السيد المسيح أو تلاميذ المسيح وضمت كنيستي الأرثوذكسية وكنيسة اورشليم وكنيسة سوريا وانطاكيا وروما والقسطنطينية.
وتابع أن الصف الثالث يرمز إلى ظهور الإسلام في القرن السابع ويوجد هلال داخل كل فرع من الصليب.
كما أوضح القس أثناسيوس أن الصلبان الصغيرة ترمز إلى الفترة الحالية وكثرة الطوائف في المسيحية.
وأشار إلى أن الصف الرابع يرمز إلى الصليب المعكوف الذي يعبر عن الضعف لأنه ظهر هرطقات أثرت على الإيمان المسيحي واضطهاد المسيحيين.
شجرة مار إفرام المعجزية
وأكد أن الصف الخامس يرمز إلى الفتور الروحي، فهذه الرموز لم يخترعها الرهبان، فالباب صنعه الرهبان في القرن العاشر، فقد أخذوا من الإنجيل ومن تاريخ الكنيسة حتى القرن العاشر هذه المراحل فهي لم تكن من اختراعهم.
وعن قصه الشجرة الشهيرة في الدير، قال القص أثناسيوس إنها شجرة فريدة خاصة بالقديس مار افرام السرياني، ومار كلمه سريانية معاناها القديس لأن حياته كانت مليئة بالقداسة.
وروى أن هذا القديس جاء لزيارة دير السريان وكان يتعجز على عصاية في الرمال، كما قصد زيارة الأنبا بيشوي في المغارة الخاصة به، فلما رأوا ذلك الرهبان قالوا لا يصلح لأن الذي يمسك عصاه يكون الأسقف أو الراهب العجوز فمن تواضع مار افرام ترك
عصاه، فربنا أراد أن يظهر تواضعه وأنه قديس فنبتت عصاه لتصبح شجرة كبيرة مفرعة من القرن الرابع ولذلك لا تزال موجودة، وهي شجرة تمر هندي لا يوجد منه في مصر، وتنمو في الأماكن الحارة أكثر في إفريقيا والهند؛ لذلك هي شجرة معجزية ويتميز بها الدير.
دير العذراء مريم السريان
ويعتبر دير العذراء مريم السريان أحد أبرز الأديرة الأثرية في تاريخ الكنيسة، حيث يرجع إنشاؤه إلى القرن الخامس الميلادي، ويقع الحصن القديم على يمين مدخل الدير، وإن كان قد تم ترميمه، لكن من المعروف أن الذى بنى هذه
الحصون في الأديرة هو الملك زينون (474 م. - 491 م.) تكريمًا لابنته الراهبة إيلارية التى ترهبنت فى برية شيهيت وذاع صيتها في جميع أنحاء العالم، وهناك مخطوط بمكتبة لندن لمايمر مار يعقوب السروجى يرجع تاريخ نساخته في الدير إلى عام 603 م.
ويذكر المؤرخ الشهير "بتلر"، أن حواجز كنيسة العذراء السريان يرجع تاريخها إلى ما قبل عام 700 م، وتشبه فى ذلك كنيسة الأنبا بيشوى وكنيسة العذراء البراموس وتعد هذه الكنائس أقدم آثار البرية إلى وقتنا الحالى.
ويلقب بالسريان منذ القرن الرابع ببرية شيهيت ذات الشهرة الواسعة فى العالم أجمع حتى أنه كان يأتي إليها الناس من مختلف بلاد العالم لزيارتها والتبرك من النساك الذين بلغوا درجات روحية عالية أو للتعبد، مثلما أتى القديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك والقديسان مكسيموس ودوماديوس أولاد ملك الروم وعاشوا بالبرية.
ولا زالت آثار الأديرة القديمة على بعد 3 كيلو مترات تقريبًا جنوب شرقي الدير، التى منها دير الأنبا يحنس كاما، ودير ابانوب، ودير الأحباش، ودير الأرمن، وديرالأنبا يحنس القصير.