أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكماً تاريخياً يهم الملايين، من الملّاك والمستأجرين، يقضي بعدم دستورية تثبيت الأجرة السنوية في نظام الإيجار القديم، وذلك بعد مراجعة الفقرة الأولى من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981، التي كانت تنظم إيجار الأماكن القديمة.
يأتي هذا الحكم في سياق البحث عن عدالة اقتصادية تواكب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المستمرة، وتدعم حقوق الملكية والمساواة .
وبعد تثبيت الأجرة السنوية عدوانًا على قيمة العدل وإهدارًا لحق الملكية
حيث قضت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار بولس فهمي إسكندر، اليوم السبت، بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981، في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر
والمستأجر، فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكن اعتبارًا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون. وأسست المحكمة قضاءها على سند من أن القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن السكنية تنطوي على خصيصتين:
1️⃣ أولاهما: الامتداد القانوني لعقود إيجاره .
2️⃣والأخرى: التدخل التشريعي في تحديد أجرتها.➖️ وكلتاهما ليستا عصيتين على التنظيم التشريعي، فإذا كان الامتداد القانوني قد حدد نطاقًا بفئات المستفيدين من حكمه، دون سواهم فإن تحديد الأجرة يتعين دومًا أن يتساند إلى ضوابط موضوعية تتوخى تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية، مما يوجب تدخل المشرع لإحداث هذا التوازن.
فلا يمكّن المؤجر من فرض قيمة إيجارية استغلالًا لحاجة المستأجر إلى مسكن يأويه، ولا يهدر عائد استثمار الأموال- قيمة الأرض والمباني- بثبات أجرتها بخسًا لذلك العائد فيحيله عدمًا.
وقد استندت المحكمة في حكمها إلى عدم توافق تثبيت الأجرة الإيجارية لفترات زمنية طويلة مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، حيث رأت المحكمة أن العقود القديمة التي تم تحديد الأجرة
بموجبها لم تعد تتماشى مع الظروف الاقتصادية الحالية. وتعتبر المحكمة أن هذا التثبيت يمثل اعتداءً على حقوق الملكية، حيث يفرض قيوداً غير مبررة على قيمة الإيجار، ما يتناقض مع مبادئ
العدالة والمساواة التي تحرص الدولة على تطبيقها. ويعني ذلك أن تثبيت الأجرة على مر السنين أضر بمصالح الملاك، الذين لم يتمكنوا من تعديل الإيجارات بشكل يعكس القيمة الاقتصادية الحقيقية للعقارات.
يبدأ تطبيق أثر الحكم من اليوم التالي لانتهاء الدورة التشريعية الحالية لمجلس النواب المصري، مما يعني أن الحكم سيصبح ساري المفعول بعد انتهاء الدورة الخامسة الحالية للمجلس.
وأعملت المحكمة الرخصة المخولة لها بمقتضى المادة (49) من قانونها وحددت اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي لمجلس النواب تاريخًا لإعمال أثر حكمها. لحاجة المشرع إلى مدة زمنية كافية ليختار بين البدائل لوضع ضوابط حاكمة لتحديد أجرة الأماكن السكنية.
وبذلك، سيؤدي الحكم إلى إلغاء العمل بالأحكام السابقة التي كانت تقيد قيمة الأجرة السنوية، مما يعطي الملاك الحق في تعديل الإيجارات وفقاً للوضع الاقتصادي الراهن. ويعد هذا الحكم بمثابة دعوة لتعديل النظام التشريعي الحالي لضمان تحقيق التوازن بين حقوق الملاك واحتياجات المستأجرين.
ومن المتوقع أن يُحدث هذا الحكم تغييرات كبيرة في سوق الإيجار.
حيث دعا الحكم إلى وضع ضوابط موضوعية تتناسب مع متطلبات الاقتصاد المعاصر، تتوخى تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية.
ويعتبر هذا الحكم دعوة للمشرّع المصري لوضع قوانين جديدة تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية الحالية، وتحدد ضوابط عادلة لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر. يتطلب هذا التنسيق مع الجهات المعنية لضمان تفعيل الحكم
بشكل فعّال، بما يضمن حماية حقوق الملكية من جهة وتلبية احتياجات المستأجرين من جهة أخرى. ويعني هذا أيضاً ضرورة مراجعة القوانين المتعلقة بالإيجار القديم ككل، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وحماية الاقتصاد المحلي.
أكد حكم المحكمة الدستورية العليا على الحاجة الملحة لتعديلات جوهرية في قانون الإيجارات، حيث شدد على أن استمرار العمل بنظام الإيجار القديم يعيق التطور الاقتصادي ويحد من العدالة في سوق العقارات. ويأتي هذا الحكم في إطار السعي لتحقيق توازن عادل يضمن حقوق الملاك دون الإضرار بالمستأجرين، مما يسهم في تعزيز الاقتصاد وتحسين العلاقات الاجتماعية بين أطراف العقود الإيجارية.
جدير بالذكر أن هذا الحكم يشير إلى ضرورة التزام الدولة بتحديث التشريعات بما يتماشى مع متطلبات العصر، وضمان تفعيل مبادئ العدالة والمساواة. وبالتالي فإنه يتوجب على مجلس النواب الإسراع في تنظيم هذه العلاقات وإصدار
قانون يراعي التوازن الذي دعت إليه المحكمة الدستورية العليا لضبط العلاقة بين المالك والمستأجر، قبل أن يبدأ تطبيق هذا الحكم الدستوري فتحدث فوضى في العديد من التعاقدات المستندة إلى القوانين المنظمة للإيجار القديم.