تحدثت المقالة السابقة عن زيارة Balfour إلى مدينة القدس، سنة 1925م، للمشاركة فى افتتاح الجامعة العبرية بها، لكنه زار مِصر أولًا حين رست السفينة التى تقله بميناء الإسكندرية؛
ومنها إلى القاهرة حيث نزل ضيفًا على اللورد Allenby. ومن مِصر إلى فلسطين حيث زار المستوطنة الصهيونية Qara، ثم تل أبيب، وتلتها زيارة مستعمرة إسرائيلية أخرى، ليقضى فى فلسطين
أسبوعين؛ ومن فلسطين زار سوريا. ثم عرضت المقالة لمحاولات تدمير وَحدة الشعب الفلسطينى التى عمِلت على خلق أحزاب مناوئة للجنة التنفيذية العربية المتزعمة جهود الشعب الفلسطينى.
وفى السنوات من 1920 حتى 1948م، تولى مندوبون سامون بريطانيون إدارة شؤون فلسطين، هم: Sir Herbert Samuel (1920-1925م)، Lord Plumer (1925-1928م)، Sir John Chancellor (1928-1931م)، Sir Arthur Grenfell Wauchope (1931-1939م)، Sir Harold MacMichael (1939-1944م)، The Viscount
Gort (1944-1945م)، Sir Alan Cunningham (1945-1948م). وكان دور المندوب السامى البريطانى بـالقدس أداة لتحقيق حُلم الوطن اليهودى؛ فقد أصدر Herbert Samuel قانون الهجرة سنة 1920م؛ ما أتاح الفرصة لهجرة آلاف من اليهود إلى
فلسطين، ثم عددًا من القوانين لتمليك اليهود الأرض الفلسطينية وحصولهم على جنسيتها، سائرًا على النهج نفسه لسالفه فى دعم مشروع وطن لليهود. ومن أهم أعمال Herbert Samuel قانون الأشغال العامة الذى
أتاح فرص عمل للشباب اليهود العاطلين، بعد أن بدأوا فى الفِرار من فلسطين بحثًا عن فرصة عمل فى البلاد الأخرى. ثم أدت جهود Plumer إلى زيادة عدد اليهود وما يتملكونه من أراضٍ فى فلسطين. ثم جاء صمت
المندوب السامى John Chancellor تجاه ما يقوم به الصهاينة من تملك الأراضى الفلسطينية بالقوة، فيذكر موقع القدس: وتولى جون تشانسلور منصب المندوب السامى لـبريطانيا فى فلسطين بين عامى 1928 و1931، وكان
طبيعيًّا أن يواصل سياسة من سبقه من المندوبين، فسكت عن استيلاء الصهاينة بالقوة على أرض العرب، وتشريدهم لأصحابها، واستفزازهم للعرب. وفى المقابل أعرض عن المطالب العربية بتكوين مجلس
تشريعى منتخَب. وقد أدى هذا كله إلى ثورة البُراق التى واجهها البريطانيون بقسوة شديدة وانحازوا فيها تمامًا إلى جانب اليهود. وواصل آرثر واكهوب - الذى تولى منصب المندوب السامى فى أكتوبر سنة
1931 ـ سياسة أسلافه فى تدعيم مشروع الدولة الصهيونية، والتعنت إزاء المطالب العربية بإنشاء حكومة نيابية وبالامتناع عن بيع أرض العرب لليهود ـ كما فعل سنة 1936؛ وهكذا استمرت السياسة البريطانية فى فلسطين.
وفى خضم تعنت بريطانيا، لم تتوقف جهود الفلسطينيين عن مقاومة سياستها، تارةً بالاحتجاج والتظاهر، وتارةً بالالتجاء إلى القوة، فى محاولات لاستعادة وطنهم. ففى سنة 1933م احتشدت التظاهرات العربية فى القدس ويافا؛
ومنهما امتدت إلى عدد كبير من المدن والقرى، اعتراضًا على استمرار نزوح اليهود إلى فلسطين، فى الوقت الذى أقيم فيه المؤتمر الصهيونى الثامن عشر المنعقد فى التشيك لأجل الإسراع ببناء الوطن القومى لليهود. وأسفر عن
تلك التظاهرات استشهاد 26 وإصابة 187 من الفلسطينيين، مقابل قتيل واحد وإصابة 56 من الشرطة الإنجليزية. وفى سنة 1934م، اندلعت تظاهرات فلسطينية قوبلت بقنابل مسيلة للدموع؛ وأصيب رئيس اللجنة التنفيذية العربية موسى
كاظم الحسينى وتُوُفّى. وسنة 1936م تجددت التظاهرات فى حيفا، أسفر عنها 7 قتلى و29 جريحًا من الجانب اليهودى، فى مقابل قتيلين و25 مصابًا من الجانب الفلسطينى؛ وأُعلن حظر التجوال وتطبيق قانون الطوارئ؛ ما أدى إلى عصيان
مدنى فى البلاد؛ ويُذكر عن ذلك: وبدلًا من تهدئة الخواطر العربية، لجأ المحتل البريطانى إلى تكثيف وجوده العسكرى فى فلسطين، واستقدم بعض قواته فى مِصر ومالطة، وواجه الثورة بعشرين ألف جندى. واشتد الاضطهاد
والعَسْف البريطانى، وكثر الحكم بالإعدام والحبس المؤبد على الفلسطينيين، ونُسفت 93 من منازلهم تأديبًا لأصحابها لمشاركتهم فى الثورة، ولم يتوقف الإضراب إلا سنة 1936م بعد نداءات الملوك والزعماء العرب، إلى أن اندلعت ثورة البُراق.
و.. ولا يزال حديث القدس يأخذنا.
والحديث فى مصر الحلوة لا ينتهى!
* الأسقف العام
رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى