فى لعبة عَضّ الأصابع، خصمان يضع كل منهما إصبعه بفم الآخر، وكلاهما يعض ما استطاع، حتى يتخارج أحدهما من قسوة الألم.. يسلم مهزومًا.
عَضّ الأصابع لعبة من زمن مضى. كانت حدة وقوة الأسنان سلاحًا، وتتطلب طول النفَس، والقدرة على الاحتمال، وإخفاء الألم. عادة ما يتم كسر الخصوم بإخفاء الألم. الألم إذا ظهر فهو مُغْرٍ بالعض المفرط. مهم الاحتفاظ بالهدوء رغم الألم، مع الاحتفاظ بحق العَضّ، حق الرد، ومَن يتحمل العض أكثر يكسب خصمه، ويُحبطه، ويكسره نفسيًّا.. تحمل العَضّ طريق لكسر الخصوم.
حرب الردود المتتابعة بين إسرائيل وإيران نموذج للعبة عَضّ الأصابع، كلاهما يتحمل الألم ليكسر خصمه، مَن يصرخ أولًا يستسلم لمشيئة عدوه.. كلاهما يحاول كسر الآخر، وكلاهما يضع إصبعه فى فم الآخر، ويعض. مَن يصرخ أولًا يصير مهزومًا.. وهما لا يصرخان!!.
بغطرسة لا تفارقه، المتحدث باسم جيش الإبادة الإسرائيلى دانيال هاجارى قال إن بلاده أنهت ردها على إيران، وإذا بدأت إيران جولة جديدة من التصعيد (العَضّ)، فإن إسرائيل ستكون ملزمة بالرد (العَضّ).
الرد على الرد. الجانب الإسرائيلى يتحضر على الرد الإيرانى المتوقع، رسالة بعلم الوصول، قالها هاجارى بوقاحة متناهية: رسالتنا واضحة، كل مَن يهدد إسرائيل ويسعى إلى جر المنطقة إلى تصعيد أوسع سيدفع ثمنًا باهظًا.
إسرائيل بهجمة ليل أمس تضع إصبعها تحت ضرس إيران، بالسوابق صواريخ إيران البالستية تطالها، وأصابع إيران ووكلاؤها تحت ضرس إسرائيل منذ السابع من أكتوبر، تحت القصف المفرط، هل تتحمل إسرائيل العَضّ الإيرانى، الرد الإيرانى، وكيف ومتى وأين سيكون الرد، أقصد العَضّ؟!.
فى انتظار ما لا يأتى، فى انتظار الرد الإيرانى، أخشى أننا سننتظر طويلًا، عادة ما يأتى الرد الإيرانى متأخرًا، وشكلانيّّا، لزوم ما يلزم لحفظ ماء الوجه، أخشى أنه رد (متفق عليه) كما كان الرد الإسرائيلى (متفقًا عليه)!!.
وراء الأكمة ما وراءها، وتحت السطح تفاهمات برعاية أمريكية تحدد حجم ومستوى الرد، ربما تحدد الأهداف التى تستقبل الرد، ومستويات الرد المقابل، لا تخرق الردود عادة سقف التوقعات الأمريكية، التى عادة ما يرسمها (البنتاجون)، وتراقب تنفيذها الاستخبارات الأمريكية، وتُبدى الإدارة الأمريكية نصحًا، تلعب دور العاقل فى مستشفى المجانين!.
وهكذا دواليك، عندما تتوقع ردًا إيرانيًّا مُزلزِلًا، يخيب ظنك، وبالمثل عندما تتجهز إسرائيل لرد مُزلزِل. خفِّض سقف توقعاتك. البينج بونج (كرة الطاولة) لعبة أمريكية محببة ما بين الإسرائيلى والإيرانى، مباراة بينج بونج محكومة بقواعد أمريكية صارمة، عادة لا ترى حكام الطاولة، ولكنهم يحكمون ويتحكمون فى سير اللعبة.
استنزاف الخصم من فنون كرة الطاولة، الأمريكان يستنزفون إيران فى حرب ستطول طويلًا حتى تخر صريعة تطلب الصفح الأمريكى، كما يستنزفون السوفييت فى حرب ستطول فى أوكرانيا.
استنفاد القوى المناوئة، وتقليم الأظافر الطويلة، سياسة أمريكية متبعة، تقلم أظافر إيران بمقص إسرائيلى حاد، أسنانه مسنونة بثأرية عميقة، وأظافره، مخالبه، طويلة، لكنها لا تقطع دابرًا إيرانيًّا.. تخفى إيران الألم حتى لا تخسر الجولة فى لعبة عَضّ الأصابع!.