القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

«احتجاجات وإصرار».. مدينة السلام (33) الأنبا إرميا

بقلم الأنبا إرميا

تحدثت فى المقالة السابقة عن تعنت الموقف السياسى البريطانى من المطالب الفلسطينية، ومن التظلم الذى قدمه المؤتمر العربى الفلسطينى الثالث إلى الحكومة البريطانية وبرلمانها، مستنكرًا تصريح Balfour. وقد شارك أبناء الوطن الفلسطينى وجمعياته كافة فى إبداء استيائهم ورفضهم الانتداب البريطانى ووعد بَلفور، فى وصف دولى له بأنه: عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.

«احتجاجات وإصرار».. مدينة السلام (33) الأنبا إرميا

وفى مارس من سنة 1952م، زار Balfour القدس للمشاركة فى افتتاح الجامعة العبرية بها، بعد أن كان قد زار الإسكندرية، حيث استقبلته الجالية اليهودية فى لقاء استمر قرابة الساعتين، وقد ذكر مندوب

جريدة الأهرام عن تلك الزيارة: وتوجه عديد من وجهاء اليهود فى المدينة (الإسكندرية)، مع لجنة صهيونية ومجموعة من الطلاب من المدارس اليهودية، إلى الميناء لاستقبال اللورد (بلفور). وفى

الساعة الرابعة رست السفينة Esperia فى الميناء الغربى، ثم صعدت اللجنة الصهيونية على متن السفينة بقيادة أحد الحاخامات وغادروا بعد فترة قصيرة، حيث كانت هيئة السكك الحديد قد أعدت عربة

صالون خاصة لنقل اللورد (بلفور) وحاشيته إلى القاهرة، حيث استضافه اللورد Allenby. وقد امتلأت شوارع القاهرة بمظاهرات تندد بتلك الزيارة، كان أكبرها فى حديقة الأزبكية، وقد تعرض المتظاهرون لمعاملة قاسية.

وتنقل لنا جريدة الأهرام احتجاجات من أنحاء العالم العربى: وبينما كان القطار المُقل لـ(بَلفور) يتقدم نحو (فلسطين)، انهالت رسائل وتلغرافات الاحتجاجات على مكاتب جريدة (الأهرام)، كانت إحداها

مرسلة باسم الجالية السورية فى مصر وتخاطب (بَلفور) معلنة: نحن ندين إعلانك الجائر، ولن نتخلى عن حقوقنا المغتصبة، وسنواصل نضالنا للنهاية على أمل تحقيق طموحاتنا القومية. وكان التلغراف موقعًا

مما يزيد على 20 شخصًا- بينهم (شكرى القوتلى) الذى سيصبح لاحقًا رئيس جمهورية سوريا. وتلغراف آخر أرسلته الجالية الأردنية فى مصر، مذكِّرةً (بَلفور) بأنه فى طريقه إلى (البلد الذى دمر وعدُه المستهجَن

حريته)، مضيفًا ﴿التلغراف) أن وصول (بَلفور) سيَزيد من تمسك الفلسطينيين ببلدهم. إلا أن تلك الاحتجاجات لم يكُن لها أثر فى Balfour أو إثنائه عن وجهته السياسية!! أما مدينة القدس فقد أعلن أهلها

الإضرابات احتجاجًا على تلك الزيارة، ودون شك كانت حكومة الانتداب البريطانى بـالقدس قد استعدت للاضطرابات المحتملة وقت الزيارة، إذ أعلن وزير الحربية البريطانى أن قوات من سلاح الفرسان المدرعة

أُرسلت من مِصر إلى فلسطين لقمع أى اضطرابات، فى الوقت الذى كان Balfour يزور المستوطنة الصهيونية Qara حيث استُقبل بحفاوة كبيرة، ثم ذهب إلى مدينة تل أبيب- المدينة اليهودية الجديدة قرب يافا- حيث رُفعت

الأعلام البريطانية والصهيونية فوق المنازل والمعاهد؛ وقد هُرع لتحيته حشود من الرجال والنساء والطلاب، حاملين على أعناقهم لافتات طُبعت عليها صورته. ثم انتقل Balfour لزيارة مستعمرة إسرائيلية

أخرى. وفى تغاضٍ تام عن المطالب العربية والفلسطينية أصر Balfour على تأكيد وعده بإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين. استمرت زيارة Balfour أسبوعين فى بلد امتلأ بالاضطرابات والاحتجاجات!!! وقد تركزت جهود

الشعب الفلسطينى- مسلميه ومسيحييه- فى محاولات لإيقاف إقامة الدولة الصهيونية، ما جعل الاحتلال البريطانى يحاول تدمير وحدة الشعب بالإيقاع بين العائلات الفلسطينية الكبيرة، وقد نجح إلى حد كبير

ما أثمر نشأة أحزاب مناوئة للجنة التنفيذية العربية التى كانت تتزعم جهود الشعب الفلسطينى؛ وأحدث انشقاقًا فى الصفوف. وفى تلك الحقبة، استغلت بريطانيا مندوبيها السامين بـالقدس لتحقيق حُلمها فى

إقامة وطن لليهود، ومنهم Herbert Samuel الذى أصدر قانون الهجرة سنة 1920م، والذى أتاح لآلاف من اليهود- قرابة 16500- الدخول إلى فلسطين، كما أصدر عددًا من القوانين لتمليك اليهود الأرض الفلسطينية وحصولهم على الجنسية الفلسطينية.

و.. ولايزال حديث القدس يأخذنا.

والحديث فى مصر الحلوة لاينتهى!

تحدثت فى المقالة السابقة عن تعنت الموقف السياسى البريطانى من المطالب الفلسطينية، ومن التظلم الذى قدمه المؤتمر العربى الفلسطينى الثالث إلى الحكومة البريطانية وبرلمانها، مستنكرًا تصريح Balfour. وقد شارك أبناء الوطن الفلسطينى وجمعياته كافة فى إبداء استيائهم ورفضهم الانتداب البريطانى ووعد بَلفور، فى وصف دولى له بأنه: عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.

وفى مارس من سنة 1952م، زار Balfour القدس للمشاركة فى افتتاح الجامعة العبرية بها، بعد أن كان قد زار الإسكندرية، حيث استقبلته الجالية اليهودية فى لقاء استمر قرابة الساعتين، وقد ذكر مندوب

جريدة الأهرام عن تلك الزيارة: وتوجه عديد من وجهاء اليهود فى المدينة (الإسكندرية)، مع لجنة صهيونية ومجموعة من الطلاب من المدارس اليهودية، إلى الميناء لاستقبال اللورد (بلفور). وفى

الساعة الرابعة رست السفينة Esperia فى الميناء الغربى، ثم صعدت اللجنة الصهيونية على متن السفينة بقيادة أحد الحاخامات وغادروا بعد فترة قصيرة، حيث كانت هيئة السكك الحديد قد أعدت عربة

صالون خاصة لنقل اللورد (بلفور) وحاشيته إلى القاهرة، حيث استضافه اللورد Allenby. وقد امتلأت شوارع القاهرة بمظاهرات تندد بتلك الزيارة، كان أكبرها فى حديقة الأزبكية، وقد تعرض المتظاهرون لمعاملة قاسية.

وتنقل لنا جريدة الأهرام احتجاجات من أنحاء العالم العربى: وبينما كان القطار المُقل لـ(بَلفور) يتقدم نحو (فلسطين)، انهالت رسائل وتلغرافات الاحتجاجات على مكاتب جريدة (الأهرام)، كانت إحداها

مرسلة باسم الجالية السورية فى مصر وتخاطب (بَلفور) معلنة: نحن ندين إعلانك الجائر، ولن نتخلى عن حقوقنا المغتصبة، وسنواصل نضالنا للنهاية على أمل تحقيق طموحاتنا القومية. وكان التلغراف موقعًا

مما يزيد على 20 شخصًا- بينهم (شكرى القوتلى) الذى سيصبح لاحقًا رئيس جمهورية سوريا. وتلغراف آخر أرسلته الجالية الأردنية فى مصر، مذكِّرةً (بَلفور) بأنه فى طريقه إلى (البلد الذى دمر وعدُه المستهجَن

حريته)، مضيفًا ﴿التلغراف) أن وصول (بَلفور) سيَزيد من تمسك الفلسطينيين ببلدهم. إلا أن تلك الاحتجاجات لم يكُن لها أثر فى Balfour أو إثنائه عن وجهته السياسية!! أما مدينة القدس فقد أعلن أهلها

الإضرابات احتجاجًا على تلك الزيارة، ودون شك كانت حكومة الانتداب البريطانى بـالقدس قد استعدت للاضطرابات المحتملة وقت الزيارة، إذ أعلن وزير الحربية البريطانى أن قوات من سلاح الفرسان المدرعة

أُرسلت من مِصر إلى فلسطين لقمع أى اضطرابات، فى الوقت الذى كان Balfour يزور المستوطنة الصهيونية Qara حيث استُقبل بحفاوة كبيرة، ثم ذهب إلى مدينة تل أبيب- المدينة اليهودية الجديدة قرب يافا- حيث رُفعت

الأعلام البريطانية والصهيونية فوق المنازل والمعاهد؛ وقد هُرع لتحيته حشود من الرجال والنساء والطلاب، حاملين على أعناقهم لافتات طُبعت عليها صورته. ثم انتقل Balfour لزيارة مستعمرة إسرائيلية

أخرى. وفى تغاضٍ تام عن المطالب العربية والفلسطينية أصر Balfour على تأكيد وعده بإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين. استمرت زيارة Balfour أسبوعين فى بلد امتلأ بالاضطرابات والاحتجاجات!!! وقد تركزت جهود

الشعب الفلسطينى- مسلميه ومسيحييه- فى محاولات لإيقاف إقامة الدولة الصهيونية، ما جعل الاحتلال البريطانى يحاول تدمير وحدة الشعب بالإيقاع بين العائلات الفلسطينية الكبيرة، وقد نجح إلى حد كبير

ما أثمر نشأة أحزاب مناوئة للجنة التنفيذية العربية التى كانت تتزعم جهود الشعب الفلسطينى؛ وأحدث انشقاقًا فى الصفوف. وفى تلك الحقبة، استغلت بريطانيا مندوبيها السامين بـالقدس لتحقيق حُلمها فى

إقامة وطن لليهود، ومنهم Herbert Samuel الذى أصدر قانون الهجرة سنة 1920م، والذى أتاح لآلاف من اليهود- قرابة 16500- الدخول إلى فلسطين، كما أصدر عددًا من القوانين لتمليك اليهود الأرض الفلسطينية وحصولهم على الجنسية الفلسطينية.

و.. ولايزال حديث القدس يأخذنا.

والحديث فى مصر الحلوة لاينتهى!

* الأسقف العام

رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

الأنبا إرميا - المصرى اليوم
23 اكتوبر 2024 |