القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

«النيروز.. بطولة وبسالة» بقلم الأنبا إرميا

بقلم الأنبا إرميا

أهنئ أقباط مِصر والعالم بـعيد النيروز الذى يحتفلون به اليوم. وعيد النيروز يشهد بقوة المصريين وبسالتهم بشهادة صفحات التاريخ الإنسانى!، فقد ارتبط هذا العيد بأشد عصر ألمًا وعذابًا مر بتاريخ مِصر، من استشهاد مريع خاضه المِصريون أيام الدولة الرومانية، وبالأخص أيام حكم الإمبراطور دِقْلِديانوس، الذى اتخذت الكنيسة بدء حكمه بدايةً لتقويمها القبطىّ تقويم الشهداء.

«النيروز.. بطولة وبسالة» بقلم الأنبا إرميا

وعندما كانت مِصر تحت حكم دِقْلِديانوس، شهِدت أيامًا ملؤها بطش وتجبر وطغيان، حتى إن المؤرخين وصفوها: وكانت أيامه كلها شنيعة إلى أقصى درجة!!! قتل فيها أصنافًا من الأمم!!!. لقد شن

دِقْلِديانوس اضطهادًا عنيفًا على المسيحيِّين فى كل أنحاء مملكته لم يشهده العالم!!!، وكان لمصر النصيب الأعظم من تلك الاضطهادات، وقدمت عددًا لا يُحصى من أبنائها شهداء. وقد بدأت

سلسلة الاضطهادات بعدد من المنشورات الملكية جاء فيها ما ينص على تهديم الكنائس ومحوها من الوجود، وإحراق كل كتب المسيحيِّين المقدسة، وطرد كل موظفى الدولة منهم، وحرمان العبيد

الرافضين ترك إيمانهم المَسيحىّ من فرص العتق. وأمر ذٰلك الطاغية الجميع بتقديم الذبائح والبخور أمام الآلهة الوثنية، وبمعاقبة كل مَن يخالف أوامره بأبشع أنواع العقاب والعذاب حتى الموت.

وفى مقابل تلك الأوامر الصارمة، نجد الشعب جميعه، رجاله ونساءه وشيوخه وأطفاله، يهِبّ هَبَّة رجل واحد جسور، ليقف أمام هذا الطغيان بثبات ورسوخ فى الإيمان؛ حتى كتب المؤرخ يوسابيوس القيصرىّ، الشاهد على تلك

الاضطهادات: لم تكن النساء أقل من الرجال بسالةً فى الدفاع عن تعاليم الكلمة الإلهية؛ إذ اشتركن هن والرجال فى النضال. إن الشعب، بفئاته كافةً، لم يقبل التخلى عن إيمانه؛ وارتوت أرض مِصر بدمائه الطاهرة. وقد نالت

المسيحيين شدائد متنوعة: منها اضطهادات أدبية من إهانة واستهزاء، وفصل من الوظائف، ومصادرة أموال وممتلكات، وفقدان حقوق المواطنة، وسلب البيوت والأمتعة، وضياع حق التقاضى أمام المحاكم؛ ومنها تعذيبات بدنية من

سَجن وجَلد وحرق وإغراق وصلب وتنكيل وغيرها من ألوان العذابات المريرة. وفى كل تلك، لم يشهد الطغاة من الشعب إلا ثباتًا، بل استهانة بالموت!!!. الكل يتقدم إلى الموت، فى بسالة وشجاعة، بإيمان راسخ أنه مجرد عبور إلى الحياة الأبدية.

وقد اختُتمت تلك الحقبة باستشهاد البابا بطرس، الملقب بـخاتم الشهداء، إذ قُبض عليه بأمر من الإمبراطور مكسيميانوس، وأُودع السجن؛ وحين سمِع الشعب تجمَّع عند السجن لإنقاذ راعيهم من الموت. لكن البابا حرَص على حياة أبناء شعبه، فخرج

من جهة أخرى بعيدة عنهم، ووصل مكان الإعدام، (الذى فيه كان قد استُشهد القديس مار مرقس الرسول)، حيث صلى طالبًا إلى الله إنهاء الاضطهادات، وخَتم صلاته: تقبَّل، يا الله، حياتى فداءً عن شعبك. وسمِع البابا صوتًا يقول: آمين. ثم نال الشهادة.

وهكذا عبّرت حياة الشهداء عن حبهم العميق لله؛ فلم يحبوا حياتهم حتى الموت من أجله- تبارك اسمه. وهنا أتذكر كلمات مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث: كثير من الناس يُعطُون، لكن الذى يُعطى حياته هو أعظم من هؤلاء جميعًا؛ فالبعض يُعطى جزءًا من ماله، والآخر يُعطى كل ماله، لكن أعظمهم من يُعطى حياته بحب.. ليس حب أعظم من هذا: أن يبذُل أحد نفسه عن أحبائه!.

أما كلمة نيروز فهى من الكلمة القبطية نِييارُؤو، وتعنى الأنهار، التى تحورت إلى لفظة نيروس فى الحِقبة اليونانية التى عاشتها مِصر، ومنها صارت نَيروز. إلا أن بعض المصادر تذكر أن نَيروز اختصار لعبارة نيارو إسمو روؤو، التى تعنى سبِّحوا وبارِكوا: ويُقصد بها مبارَكة الأنهار؛ ليُصبح عيد النيروز هو عيد مبارَكة الأنهار.

وقد ارتبط التقويم القبطىّ بالتقويم المِصرىّ القديم، الذى وضعه قدماء المِصريِّين اعتمادًا على دورة الشمس، فقسّموا السنة إلى 13 شهرًا؛ ثم اتخذت الكنيسة القبطية المِصرية من أسماء شهوره أسماءً لشُهور سنتها القبطية، لتبدأ بشهر تُوت فى (11/ 9) وتنتهى بشهر النَّسِىء (6-10/9)، المعروف بـالشهر الصغير.

كل عام وجميعكم بخير وسلام، مصلين أن يمنح الله بلادنا مِصر والعالم بأسره الخير والسلام والهدوء، و.. والحديث فى مصر الحلوة لا ينتهى!.

* الأسقف العام

رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

الأنبا إرميا - المصرى اليوم
11 سبتمبر 2024 |