القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

«.. ورحلوا عن الشرق!» مدينة السلام (25) بقلم الأنبا إرميا

بقلم الأنبا إرميا

تحدثت المقالة السابقة عن مدينة القدس التى استعادها الملك الناصر داود- حاكم الكَرْك من الفرنج، ثم انسحابه منها، وعودة الفرنج مرة أخرى إليها. ثم اندلع الصراع المرير بين الملك الصالح نَجم الدين أيوب وبين

«.. ورحلوا عن الشرق!» مدينة السلام (25) بقلم الأنبا إرميا

أخيه الملك العادل الصغير، وتكتلت قوى البيت الأيوبى مع الفرنج على الملك الصالح أيوب فلجأ إلى الخَوارَزمية؛ فدرات رحى الحرب فى معارك شرسة بين الفريقين حتى انتهت بانتصار الخَوارَزمية والملك الصالح أيوب،

وتمكن الخَوارَزمية من دخول القدس، ليستردها الملك الصالح ويأمر بإعمار سورها. ثم لم يلبث أن اندلع النزاع بين الأيوبيين فى الشام وبين المماليك فى مِصر، وبعد تدخل الخليفة العباسى المستعصم، صارت مدينة القدس

تحت حكم أيبَك إلى جانب توليه مِصر. ويُذكر أن حكم مدينة القدس كان قد انتقل إلى السلطان الناصر يوسف حاكم دمشق سنة 1256م وَفق معاهدة صلح تالية، وظلت تحت حكمه حتى هددها المغول الذين اجتاحوا بلاد الشام ومن بعدها مِصر.

وفى أيام حكم الخليفة العباسى الناصر لدين الله (1180-1225م) الذى امتد حكمه قرابة 47 عامًا، حاول القضاء على نفوذ السَّلْچوقيين فشجع الفتن والقلاقل بين أفراد الأسرة الحاكمة، لٰكن الخطأ الجسيم الذى أُخذ

عليه هو استعانته بالتتار، فقد ذكر المؤرخون: ويقال: كان بينه وبين التتر مراسلات حتى أطمعهم فى البلاد، وأيضًا: ولٰكنه أساء التقدير إذا استغاث بدولة فتيَّة (التتار أو المغول) لها أطماع فى الخلافة

للقضاء على دولة كانت قد دخلت فى طور انحلالها ودور سقوطها، فكأنه قد استجار من الرَّمْضاء (شدة الحر) بالنار!! وفتحت استغاثته بـالمغول الباب لأطماعهم التوسعية التى لا تشبع، حتى ذكر المؤرخون: ارتكب

الناصر خطأً جسيمًا بالالتجاء إلى المغول؛ فقد أطمعهم فى بلاد الدولة العباسية ودلهم على مواطن ضعفها، إذ انتهزوا تلك الفرصة العظيمة وحولوا تيار فتوحهم نحو الغرب وأغاروا على أطراف الدولة، وحاربوا

شاه خوارزم، فقضَوا على سلطانه، وعلى سلطان غيره من أمراء المسلمين فى بلاد الجزيرة والموصل وآسيا الصغرى، ثم نزلوا على العراق ودخلوا بغداد بعد ذٰلك؛ ودمروا بغداد وقتلوا أهلها وخليفتها آنذاك المستعصم بالله.

وفى سنة 1260م، اتجه التتار نحو بلاد الشام، ولم يتمكن السلطان الناصر يوسف من قتالهم أو عقد صلح معهم؛ وتوجهوا إلى حلب ثم دمشق ومنها إلى غزة فى زحف مدمر ووحشية قاسية خرَّبت كل موضع وطأته أقدامهم!!، ومن غزة جعلوا وجهتهم مِصر، لٰكنهم هُزموا فى معركة عين جالوت بيد سلطان المماليك سيف الدين قطز.

أما مدينة القدس، فقد ترك التتار أمرها إلى حين استيلائهم على مِصر التى لم يتمكنوا منها. وهكذا صار حكم مدينة القدس لسلاطين المماليك بعد كسرهم شوكة التتار عن البلاد.

اهتم السلاطين المماليك بالمدن التى لها مكانة دينية خاصة مثل مدينة مكة، ومدينة القدس التى خرجت من تحت عباءة دمشق لتتحول من ولاية صغيرة تابعة لها إلى إمارة مستقلة تابعة لدولة

المماليك مباشرة؛ ففى عهد البيت الأيوبيّ كانت مدينة القدس تابعة لدمشق ويعيَّن واليها من قبله ويسمَّى والى بيت المقدس. وبعد زمن تغير ذٰلك الوضع فى عهد السلطان المملوكى الأشرف

شعبان الذى حوَّل القدس إلى ولاية مستقلة يعيَّن حاكمها من قبل سلاطين المماليك مباشرة، وكان ذلك سنة 1376م. كذلك اهتم المماليك بتنظيم الأمور الإدارية لمدينة السلام وأخذوا

يعمرونها؛ فعمروا المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وأقاموا المدارس. وفى الوقت نفسه تصدى المماليك لحملات الفرنج فى الشام ومصر؛ فقد حارب السلطان الظاهر بيبرس الفرنج حروبًا متواصلة

مدة سلطانه حتى وفاته سنة 1278م؛ وتمكن من استعادة مدن كثيرة، منها أنطاكية وطرابلس. واستكمل السلطان قلاوون وابنه الأشرف خليل الحروب على الفرنج فدُمرت قلاعهم بـالشام واستعيدت عكا ورحلوا عن الشرق.

و.. ولا يزال حديث القدس يأخذنا، والحديث فى مصر الحلوة لا ينتهى!.

* الأسقف العام

رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

الأنبا إرميا - المصرى اليوم
24 يوليو 2024 |