القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

«هدم وتعمير!» مدينة السلام (22) بقلم الأنبا إرميا

بقلم الأنبا إرميا

تحدثت المقالة السابقة عن فتح العرب لمدينة القدس فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب سنة 637م. وفى أيام الدولة الأموية، كان اهتمام كبير بمدينة القدس، وبخاصة أيام الخليفة الملك بن مروان الذى يراه بعض المؤرخين

«هدم وتعمير!» مدينة السلام (22) بقلم الأنبا إرميا

المؤسس الحقيقى للدولة الأموية؛ فقد بنى عددًا من المساجد كمسجد قبة الصخرة، وبدأ فى بناء المسجد الأقصى لكنه لم يتمكن من إتمامه؛ فجاء ابنه الوليد وواصل عمل أبيه فى بنائه حتى أكمله. أما سُلَيمان بن عبد

الملك، ثانى أبناء عبد الملك بن مروان، فقد تولى أمور فلسطين وحكمها قبل أن يبايَع خليفةً؛ ما جعله على علم بأمور فلسطين ومدنها وبخاصة القدس. ويُذكر أن سليمان بويع بالخلافة على سطح الصخرة تحت القبة التى بناها أبوه.

ثم صارت مدينة القدس تابعة لحكم الدولة الفاطمية سنة 970/969م؛ وقد اهتموا بتعمير المسجد الأقصى بعد تعرضه لزلزال، وخُطب على منابرها للخليفة الفاطمى بدلاً من الخليفة العباسيّ

الذى كان يحكم من مدينة بغداد. واستمر الحكم الفاطمى حتى صار النزاع بين الفاطميين والأتراك السلاچقة الذين استولَوا على القدس سنة 1077م؛ وقيل إنهم طردوا المِصريين منها، وقتلوا

عددًا كبيرًا من سكانها، واستمر النزاع طويلاً ومُنع المسيحيون من زيارتها زمنًا. ثم استعاد القدس لحكم الفاطميين الخليفة المستعلى سنة 1098م؛ لٰكنها سقطت فى يد الفرنج بعد ذٰلك بقليل.

أما عن موقف الحكام الفاطميين من مَسيحيى القدس، فقد انتابه نوع من التضارب؛ فعلى سبيل المثال: أمر الخليفة الحاكم بأمر الله سنة 1009م بهدم كنيسة القيامة وتخريبها، وأباح للعامة ما فيها من أموال

وأمتعة، وأرغمهم على لُبس السواد وعدم الاحتفال بـعيد الشعانين - عيد أحد السعف الذى يسبق عيد القيامة. وظلت كنيسة القيامة خَرِبة حتى سنة 429هـ (1037م) حين أرسل قيصر الروم رسلاً وهدايا إلى الخليفة الحاكم

وطلب إصلاحها؛ فقبِل وأعيد تعميرها. وفى انقلاب مفاجئ لقرارات الخليفة الحاكم بأمر الله، دعا إلى الرفق والمسامحة فى معاملة المَسيحيين فى القدس وغيرها؛ وسمح لمن ترك دينه منهم مكرَهًا أن يعود إليه إن رغِب.

ثم بدأت حملات الفرنج على مدينة القدس (أورُشليم) سنة 1099م: وفى طريقهم إليها، سقطت مدن مثل الرُّها وأنطاكية وبيروت وصيدا، لٰكنهم تمكنوا من الاستيلاء على القدس نفسها بعد حصارها أربعين يومًا؛ ثم أصبح Godefroy de

Bouillon أول حاكم عليها؛ وقد ذكر المؤرخ نقولا زيادة: الحملة الصليبية الأولى (حملة الفرنج) والفظائع التى ارتكبتها فى طريقها وفى احتلال القدس ليست مما يشرف، وقد ظهرت لنا رغبات الصليبيين (الفرنج) من خلال

تصرفهم مع مسيحيى فلسطين أنفسهم، فقد استولَوا على أديرتهم، وطردوهم من الكنائس والبيوت، فتبعثر المسيحيون فى جهات فلسطين وشرق الأردن، وسار البطريق إلى القاهرة فى حماية الفاطميين؛ ما يدل على أن الهدف

الأساسى لحملات الفرنج لم يكُن دينيًّا قط كما ادعوا، بل كان سياسيًّا بحثًا عن السلطة والزعامة والتوسع على حساب الشرق. مكث الفرنج بالمدينة المقدسة قرابة التسعين عامًا حتى استعادها صلاح الدين الأيوبى من بين براثنهم.

وقد نالت مدينة القدس اهتمامًا كبيرًا من صلاح الدين الأيوبى، فعمِل على تحصينها وتعمير سورها وحفر خندق حولها، وبنى عدة مدارس فيها أهمها المدرسة الصلاحية، كما شيد مستشفى

(بيمارستان) لعلاج المرضى. أما مَسيحيو الشرق فقد رغِبوا البقاء بالمدينة فسمح لهم صلاح الدين الأيوبى. ومع رحيل بطريرك الفرنج، عاد المَسيحيون الأرثوذكس إلى مكانهم بـالقدس

بموافقة صلاح الدين وتعضيده، كذٰلك سمح لليهود بالإقامة بها. وقد ذُكر أن صلاح الدين عاد إلى القدس بعد صلح الرملة مع الملك ريتشارد قلب الأسد، واهتم بترتيب أمورها وتنظيم شؤونها.

و.. ولايزال حديث القدس يأخذنا، والحديث فى مصر الحلوة لا ينتهى!.

* الأسقف العام

رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

الأنبا إرميا - المصرى اليوم
03 يوليو 2024 |