تتجه أنظار العالم المسيحي إلى كنيسة القيامة بالقدس، حيث قبر السيد المسيح، خاصة يوم سبت النور الذي يسبق أحد القيامة، فيتوافد الزوار من كافة البلدان، لمشاهدة النور المقدس الذي يضيء نحو 33 دقيقة أي عمر المسيح على الأرض، لكن وراء هذا المشهد الجليل والحضور العالمي كل عام، عائلة مسلمة تحتفظ بمفتاح الكنيسة منذ أكثر من 1000 عام.
يتجه أديب جودة الحسيني نحو كنيسة القيامة، مصطحبًا ذلك المفتاح الأثري، لفتح باب الكنيسة وسط القساوسة والرهبان والشعب المسيحي، من ثم الدخول إلى صحن الكنيسة وتأدية طقوس الصلاة الخاصة.
حاور القاهرة 24 أديب جودة الحسيني، الأمين على مفتاح كنيسة القيامة بالقدس، والمسؤول عن فتح باب الكنيسة بالتوارث من عائلته منذ أكثر من 1000 عام.. وإليكم نص الحوار:
أنا أبلغ من العمر 60 عامًا وأعيش بمدينة القدس، وكان حلمي منذ الصغر استلام مسؤولية فتح باب كنيسة القيامة من والدي، حتى تحقق وأنا في عمر الثامنة.
استلمت عائلتي مفاتيح كنيسة القيامة في العام 1187 أي في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي، حينها كانت فكرة صلاح الدين لرؤساء الكنائس بأن يتم تسليم مفاتيح الكنيسة لعائلتي، والتي يعود نسبها إلى النبي محمد صلى الله عليه
وسلم، وذلك من أجل حماية الكنيسة للأمد البعيد، حتى لا يتمكن أحد من إيذاء الكنيسة ورهبانها إذا كانت مفاتيحها مؤتمنة لدى آل بيت رسول الله، فوافق رؤساء الكنائس حينها وتم تسليم عائلتي مفاتيح كنيسة القيامة من قبل رؤساء الكنائس.
لا يستطيع أحد أن يكون مخالفا لتعالم الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسيدنا عمر هو من خط العهدة العمرية بيديه الكريمتين، وحث المسلمين على التعايش مع إخوانهم المسيحيين ليس فقط في الأراضي المقدسة، وإنما في جميع أنحاء المعمورة، أي أن شرارة العهدة العمرية في التعايش الإسلامي المسيحي انطلقت من مدينة القدس.. مدينة السلام والأنبياء.
العلاقة بيننا مبينة على الأخوة والمحبة والاحترام، فنحن في بيت المقدس نعيش جنبًا إلى جنب، ودماؤنا واحدة فلا فرق بين مسلم ومسيحي.
في الأيام العادية أصل إلى ساحة كنيسة القيامة في الساعة الـ3.30 صباحًا، ثم أنتظر الإشارة من الرهبان لحين موعد الفتح في الساعة الرابعة ثم تغلق أبوابها عند التاسعة مساءً، أما في الأعياد الرسمية فهناك طقوس مختلفة، فتتغير أوقات فتح بوابة الكنيسة وإغلاقها حسب المواعيد التي يتم الاتفاق عليها بين الطوائف.
لا أحد يتمكن من عرقلة فتح أبواب الكنيسة، فلها مواعيدها المحددة، وعلى الجميع احترامها.
في فترة الحرب الناس يكونون بحاجة ماسة إلى التقرب الى الله، والصلاة والتضرع لله بتوقف هذه الحرب الشرسة، لذلك الكنيسة أبوابها دائما مفتوحة ولم تغلق أبدًا.
الحرب لم تؤثر على الفتح المعتاد، ولكن خلال الحرب انقطع الوافدون والزوار والحجاج فأصبحت الكنيسة فارغة من زوارها، فقط السكان المحليون هم من يوجدون وباستمرار في كنيسة القيامة.
احتفظ بالمفتاح في منزلي.
هو المفتاح الأصلي والذي عمره يقارب الألف عام، فهو من العام 1149 م، أي هو المفتاح الصليبي.
أعلّم أولادي ما علمني إياه والدي رحمه الله، بأن الأمانة ثقيلة وعلينا احترام هذه الأمانة والحفاظ عليها وعلينا احترام الطوائف وحسن المعاملة مع الجميع، فبالنسبة لنا الدين هو المعاملة وعلينا أن نحافظ على هذا الصرح الديني العظيم فهو بالنسبة لنا بيتنا الثاني.
المفتاح يسلم للطوائف حسب برنامج الأعياد، ويتم تسليم المفتاح مثلًا يوم الجمعة الحزينة لمطران طائفة الروم الأرثوذوكس في صالون بطريركية الروم، وبعد ذلك يخرج موكب مطران الروم الأرثوذوكس في موكب مهيب يتقدمه
القساوسة، ويعبر الموكب أزقة البلدة القديمة متجها إلى كنيسة القيامة والمطران رافعًا المفتاح بيده اليمنى، حتى الوصول إلى بوابة الكنيسة المغلق بحيث يتم فتح بوابة الكنيسة وبعدها تتم إعادة المفتاح لي شخصيا.
لا تعامل بيننا وبين قوات الاحتلال، فعندما آتي إلى ساحة الكنيسة في الصباح الباكر لا يوجد هناك أحد سواي.
كنت رفيق والدي رحمه الله منذ نعومة أظافري، وكنت أعشق الذهاب بصحبة والدي إلى كنيسة القيامة.. وكم كنت أتمنى أن يشرفني والدي بحمل مفتاح كنيسة القيامة، وعندما بلغت الثامنة من عمري حقق والدي رحمه الله حلمي وشرفني بأن أسلم مفتاح الكنيسة لبواب الكنيسة لفتح أبوابها، وياله من شرف عظيم لي في هذا اليوم، والذي كنت أحلم به، حتى تحقق وأصبحت الأمين لمفتاح الكنيسة منذ 52 عامًا.