4 - وفيه أيضاً من سنة 1033 للشهداء ( 1317م ) تنيَّح القديس العظيم برسوم العريان الكامل في محبة الله. وُلِدَ بمصر وكان والده يسمى الوجيه، كاتب الملكة شجرة الدر. ولما تنيَّح أبواه استولى خاله على كل ما تركاه فلم ينازعه بل ترك العالم وعاش عيشة السواح خارج المدينة خمس سنوات يقاسى حر الصيف وبرد الشتاء، ولم يكن يلبس سوى عباءة من الصوف.
وعاش في مغارة داخل كنيسة القديس مرقوريوس أبى سيفين بمصر القديمة مدة عشرين سنة ملازماً الأصوام والصلوات. وكان في تلك المغارة ثعباناً ضخماً. فلما دخل ورآه صلَّى إلى الله ثم رسم ذاته بعلامة الصليب وتقدم نحو الثعبان
وهو يرنم بالمزمور قائلاً: " تطأ الأفعى والحيات وتدوس الأسد والتنين " ثم قال للثعبان: " أيها المبارك قف مكانك " ورشم عليه بعلامة الصليب وطلب من الله أن ينزع منه طبعه الوحشي. ولما انتهي من صلاته تغيرت طبيعة
الثعبان وأصبح أليفاً. فقال له القديس: " من الآن يا مبارك لا تكن لك قوة أن تؤذي أحداً، بل تكون مستأنساً ومطيعاً لما أقوله لك ". فأظهر الثعبان علامة الخضوع والطاعة وعاش مع القديس كما كانت الأسود مع دانيال في الجب.
بعد ذلك صعد القديس برسوم العريان من المغارة إلى سطح الكنيسة وعاش هناك صابراً على الحر والبرد حتى اِسوَّدَ جلده من كثرة النسك. وفي أيامه لحق المسيحيين اضطهاد عظيم. وقبض الوالي على هذا القديس وضربه كثيراً ثم سجنه. ولما أفرج عنه
ذهب إلى دير شهران وأقام فوق سطح الكنيسة وزاد في نسكه وتقشفه. ولما ذاعت شهرته وعُرفت فضائله كان الأمراء والقضاة يزورونه طالبين بركته ومشورته. وقد أكثر القديس من الطلبة والتضرع إلى الله حتى رد غضبه عن شعبه ورفع عنه الاضطهادات.
ولما أكمل سعيه الصالح تنيَّح في شيخوخة حسنة وكان عمره ستين سنة، فدفنوه في دير شهران بمعصرة حلوان وتسمى الدير بعد ذلك باسمه.
بركة صلواته فلتكن معنا. ولربنا المجد دائماً أبدياً آمين.