- تنظيم الدولة الإسلامية فى مصر الإرهابى ينفذ تهديد قائده باستهداف المسيحيين بعد أقل من شهر من نشره
- فلول خلايا الكرنك السريين يشكلون الروافد الرئيسية لدواعش قبلى.. والهجوم المسلح ينقل تكتيكات حرب العصابات السيناوية إلى الوادى بـالدفع الرباعى
- استراتيجية أبو أياد المصرى وانتحارى البطرسية تواصل حصد أرواح الأقباط.. والهدف ضرب الدولة بـالنكاية والإنهاك والفوضى
هو أسبوع المصريين فى داعش بامتياز.. قتلة وإرهابيون وأبواق تعصب وطائفية وتطرف وعنف مسلح، وكذا شهداء..
فى سوريا، تم الإعلان عن مقتل وزير الحرب لداعش، أبو مصعب المصرى، بحلب على يد قوات النظام، وفى واشنطن، قررت الخارجية الأمريكية، تسمية أبو أسامة المصرى، قيادى ولاية سيناء والمتحدث باسمها، ضمن
لائحتها للإرهاب، بينما كانت المذبحة الأفدح على الأرجح على يد الدولة الإسلامية فى مصر/ أرض الكنانة، فى صحراء المنيا، حيث الهجوم الدموى لمسلحين على حافلة تضم أقباطًا فسقط العشرات من الضحايا من بينهم أطفال.
فى عملية المنيا البشعة، بدت استراتيجية النكاية والإنهاك الداعشية، التى ينص عليها دستور الخلافة المزعومة لأبو بكر البغدادى والمعروف إعلاميا بإدارة التوحش، فى أكثر صورها فداحة، حيث ضرب التنظيم، وبخاصة فرعه خارج سيناء الدولة الإسلامية
فى مصر، بعنف لتعميم هدف نشر الفوضى والرعب وهدر السلم الاجتماعى بإرهاب المدنيين، فضلًا عن التسبب فى خسائر فادحة للدول التى تتعرض لها (هجمات النكاية)، خاصة مع صعوبة تحديد هوية العناصر المقاتلة وأماكن اختفائهم والأماكن المستهدفة بالعمليات.
هجوم المنيا، يؤكد كذا حقيقتين، الأولى، تدشين تنظيم ولاية مصر (الدولة الإسلامية فى أرض الكنانة فى الوادى والعاصمة)، كرقم صعب فى معادلة الإرهاب على ضفاف النيل، ناهيك بتأصيل خططه وأولوياته الكبرى التى تضع الأقباط فى صدارة المستهدفين، دون غيرهم، وهو ما تكرر فى عمليات تفخيخ الكنائس بالانتحاريين (البطرسية بالقاهرة وكنيستى طنطا والإسكندرية).
وكان الإعلان الرسمى عن وجود تنظيم الدولة الإسلامية فى مصر( بعيدًا عن ولاية سيناء)، وقائده الغامض غير معروف الاسم أو الهوية، قد تم لأول مرة من الناحية التوثيقية مطلع مايو الماضى، حيث نشرت مجلة النبأ الإلكترونية الداعشية، حوارًا مع الأخير، أعلن فيه صراحة أن الأقباط هدف استراتيجى لرجاله..
فى أقل من شهر نفذ تهديداته بدم بارد..
وهى تهديدات ضد الأقباط سبق أن أصدرها محمود شفيق (أبو عبد الله المصرى)، انتحارى البطرسية، فى فيديو شهير له نشر فى 19 فبراير الماضى (بعد نحو شهرين من العملية)، وقد حمل خاتم الدولة الإسلامية فى مصر لا ولاية سيناء.
ومن قبله، وتحديدًا فى نوفمبر 2015، روج ناشط داعشى مصرى، يدعى أبو أياد المصرى، صراحة لقتال النصارى واستهداف القساوسة والكنائس والأديرة باعتبار المسيحيين محاربين.
الحقيقة الثانية، تواصل النهج الداعشى فى غزوات المناسبات التاريخية والدينية والوطنية، وفى ما يخص الأقباط تتجسد تلك النقطة بقسوة.. الهجمات الدموية الخسيسة التى استهدفتهم فى نصف العام الأخير، جميعها فى مناسبات إسلامية ومسيحية (المولد النبوى، أحد السعف، اليوم السابق لشهر رمضان).
دلالات جانبية أخرى تثيرها عملية المنيا، لعل أبرزها، تجدد جريان الدماء القبطية فى منطقة (قبلى) لها تاريخ مأساوى فى هذا الشأن على يد جماعات التطرف طيلة العقود الثلاثة الماضية، علاوة على إشارة تغلغل الخلايا الداعشية بالصعيد، سواء كان ميدان قتالها بالجنوب كما جرى مع حافلة الأقباط، أو كان عابرًا للمحافظات صوب الشمال، مثلما تم فى تفجيرى كنيستى أحد الشعانين.
لا يمكن كذلك تجاهل وجود عناصر هاربة من خلية تفجير الكنائس التى أحيلت مؤخرًا إلى القضاء العسكرى، على خلفية تفجيرات الببطرسية وكنائس الإسكندرية طنطا، وربما تكون عملية المنيا رد فعل انتقامى على تلك
الإحالة، أو تمت على يد المتهمين الفارين، على أساس اعتياد الأقباط تسيير رحلات أسبوعية، صباح كل جمعة إلى الأديرة النائية، وسط غياب أمنى عن تأمين الطرق والمناطق المتطرفة والبعيدة، ما جعل الضحايا صيدًا سهلًا للقتلة.
استخدام آلية التنفيذ عبر مسلحين ملثمين وعربات دفع رباعى، حسب المعلومات الأولية المتواترة، ينقل تكتيكات حرب العصابات الداعشية السيناوية إلى الوادى وشرق قناة السويس، وهذا نذير خطر.
أحاديث متهمى خلية الكرنك، عن وجود خلايا داعشية عنقودية مستترة وكامنة بالصعيد تنتظر الإشارة، صار واقعا مؤلما على الأرض.
هل وصلنا إلى احتمال إعلان ولاية داعش الصعيد؟.. ربما.. وفى ذلك تبشيرات إلكترونية عدة منذ العام 2015، لكن لا يمكن الجزم بها حتى الآن.
وكما تكرر عدة مرات فى مختلف الحوادث المشابهة، فإن لحادثة المنيا أهدافا سياسية، فإلى جانب إثارة الفوضى والفزع، هناك رغبة من جانب التنظيمات فى فتح المجال للتدخل الأجنبى
وللشماتة الخارجية، أضف إلى ذلك تهديد الأقباط ومضاعفة مخاوفهم.. ونقل الدماء إلى أبواب كنائسهم وأديرتها، وتفجير غضب ولو ظل مكتومًا أو مسيطرًا عليه من جانب قادة الكاتدرائية
المرقسية للأقباط الأرثوذكس، تجاه الدولة التى ستظهر وكأنها لا تحميهم، سواء فى حالة الحوادث الطائفية العادية، أو فى حالة العمليات الإرهابية الدموية التى تستهدفهم من حين لآخر.
وهو الهدف ذاته التى أرادت الجماعات المسلحة فى سيناء بزعامة داعش (الولاية)، أن تحرزه عندما استهدفه 7 من سكان شبه الجزيرة فى جرائم قتل شبه مسلسلة، مع مزيد من الإثارة عبر إجبار المدنيين على النزوح بعيدًا عن مساكنهم، فى ما يشكل ضغطًا على السلطة والدولة.
إنها اللعبة الجديدة للجماعات الإرهابية النشطة فى مصر فى الوقت الراهن، وخاصة بعد أن تلاشت الفوارق الفكرية والسياسية والاستراتيجية بينها، لتصبح جماعات هجين تتعاون فيها رموز داعش مع لجان الإخوان النوعية مع حازمون والسلفية الجهادية وما تبقى كوادر القاعدة غيرها، بينما شعار الجميع: كلنا معًا لضرب نظام الحكم بسلاح الطائفية.
هكذا، ومرة أخرى أعاد الدواعش مصر، وعبر الأقباط كالعادة، إلى واجهة حفلات الدم.. بيد أن الدواعش المصريين ظهروا على نحو لافت هذه الأيام، بما يمنح دلالة على أن موجات العنف ستطال فى أرض الكنانة، إن لم يكن الانتباه كبيرًا.
فليس هناك معنى لاغتيال قوات الرئيس السورى بشار الأسد لمن يشار إليه باعتباره الرابع فى ترتيب القيادة الداعشية فى الشام، المجهول أبو مصعب المصرى، إلا أن هناك مزيدًا من رسل الدم، إن آجلًا أو عاجلًا، سيعودون لمواصلة النشاط فى البلد الأم.
كما أن إعلان الولايات المتحدة وضع أبو أسامة المصرى، قيادى ولاية سيناء على قوائمها للإرهاب، إنما ومن المرجح أن يكون له رد فعل استعراضى استفزازى من جانب تنظيمه أو ما تبقى نشط منه، حتى ولو كان الرجل، واسمه الحقيقى، محمد أحمد على العيسوى، مختبئًا فى غزة كما يشاع.
وبالقطع، لا مفر من التعاطى مع الأمر بكثير من الحساسية، إن جاز التعبير، فمن ناحية لن تُقدم واشنطن على تتبع شخص ووضعه على قوائمها لمكافحة الإرهاب، إلا لو كان لديها معلومات أمنية واستخباراتية ذات قيمة معتبرة على أقل تقدير.
لكن، ومن ناحية أخرى فإن توصيف القيادى الغامض كزعيم لدواعش سيناء، بمعنى كونه واليًا أو أميرًا، تولى إدارة تنظيم أنصار بيت المقدس فى سيناء، بعد مقتل أبو دعاء الأنصارى، فى أغسطس الماضى، حيث كان يشغل قبلها منصب المتحدث الإعلامى باسم التنظيم الإرهابى، فربما يكون ذلك محل مراجعة، على خلفية عدد من الشواهد والمعلومات المضادة المتاحة.
منها أن إصدارات داعش الإعلامية الرسمية، سواء تلك المركزية أو نظيراتها المحلية، تسمى المدعو أبو هاجر الهاشمى كقائد لدواعش سيناء خلفًا للأنصارى، كاشفة عن كونه عراقى الجنسية، من جنرالات صدام حسين السابقين.
كما تم الإعلان من جانب إصدارات الدولة الإسلامية المزعومة مؤخرًا كذلك عن وجود زعيم ثان لدواعش مصر، ممن ينشطون خارج سيناء.
ورغم أن اسم الأخير ظل مستترًا، لكنه على الأرجح لن يكون أبو أسامة المصرى، لأن الأخير من النشطين فى سيناء لا فى خارجها.
فى كل الأحوال، تبقى تلك معلومة فرعية، فالثابت أن النافخين فى العنف والترهيب والإرهاب، يجهزون أنفسهم لجولات تالية تستدعى أن يغير الأمن من استراتيجية الاعتماد على قوائم المتطرفين التقليديين، والبحث عن تحديث لها يضم تلك العناصر الجديدة الموتورة.