كاتدرائية ستراسبورغ، أشهر كنائس أوروبا، واطول بناية في العالم في القرن السّابع عشر الميلادي، تحتفل هذا العام بمرور ألف سنة على تشييدها فيما تحتفظ بذات الطلّة البهيّة الصافية والخالية من الشوائب أو حتى التجاعيد.
مبنى يتميّز بمعماره القوطيّ المليء بالتّفاصيل المعمارية الّتي تشدّ انتباه كلّ من ينظر إليه حيث وصفه الأديب والشاعر الفرنسي الشهير فكتور هيغو بأنه يجسد «معجزة عظيمة».
تشييد الكنيسة يعود إلى عام 1015، وارتفاعها يبلغ 142.11 متر، وهو ما مكّنها من احتكار لقب أطول مبنى في العالم حتى عام 1874، لتتخلّى، بعد ذلك، عن صدارة الترتيب، غير أنها لا تزال، حتى اليوم، مصنّفة كثاني أطول كاتدرائية في فرنسا بعد كاتدرائية روان والتي يبلغ طولها 151 مترا.
الاحتفالات بالألفية الأولى لكتدرائية ستراسبورغ انطلقت مطلع العام الجاري، بعروض ضوئية وصوتية، وحفلات ومعارض تواترت جميعها على إيقاع «الألفية»، وهي قطعة موسيقية تختزل مزيجا من الأناشيد الدينية المختلفة، ألّفت خصّيصا بمناسبة هذا الحدث الاستثنائي.
الكنيسة تعتبر من المزارات الدينية التي تشهد إقبالا كبيرا من قبل الفرنسيين، بعد كاتدرائية «نوتردام» في باريس. مبنى يختزل بشموخ تفاصيل قرون من الأشغال ومن الاضطرابات الاجتماعية التي شهدتها منطقة الألزاس بشكل خاص وفرنسا عموما ومعلم ديني وتاريخي تطلّب أكثر من 400 عام لتشييده، أي إلى حين الانتهاء من بناء برجيه وأجراسه خلال العصور الوسطى.
وإثر الانتهاء من الأشغال «الأولى»، خصصت الكنيسة للعبادة البروتستانتية، مع ظهور حركة الإصلاح الديني في إطار سياق تاريخي تستحضره أطروحات «لوثر» أو ما يعرف بوثيقة الاحتجاجات التي كتبها مارتين لوثر، والصادرة في حدود العام 1518، والتي اتفق، فيما بعد، على تسميتها باسم خمس وتسعين أطروحة (بمثابة الوثيقة الرئيسية لحركة الإصلاح البروتستلنتي)، المعروضة على أبواب الكاتدرائية.
وفي عام 1681، استرجع الكاتوليك هذا المعلم الديني، في اعقاب انفصال مدينة ستراسبورغ عن قوات لويس الرابع عشر، وضمّها إلى المملكة الفرنسية.
وخلال الأحداث العاصفة للثورة الفرنسية، فقدت الكاتدرائية صفتها كمكان للعبادة بالنسبة للمسيحيين، لتتحوّل، في 1793، إلى «هيكل» لعبادة العقل والكائن الأسمى» كما اطلق عليها وقتها، فكان أن وضعت «القبّعة
الفريجية» الحمراء، رمز الثورة والجمهورية، على السهم الموجود في أعلى المبنى، ودمّر الثوريون 235 تمثالا بها واستبدلوا الأجراس بالبنادق، قبل أن تعود الكاتدرائية بعدها بعامين لتخصص للعبادة الكاثوليكية.
وعلاوة على ارتفاعها وعراقتها، تستقطب كاتدرائية ستراسبورغ اهتمام الناس من خلال ساعتها الفلكية ونظام أجراسها. فالساعة تستعرض إضافة إلى الوقت، البيانات الفلكية والتقاويم المدنية والدينية، كما حدّدت بدقة موعد خسوف القمر في 2006. أما نظام الأجراس فيها، فيعتبر الأضخم في فرنسا، ويتميّز بحلقة مزدوجة تعتبر فريدة من نوعها في أوروبا بأكملها.
هي «معجزة عظيمة».. هكذا وصفها الأديب والشاعر الفرنسي الكبير فكتور هيغو، كما شبّهها آخرون بـ «الشجرة ذات الفروع التي لا تعدّ والممتدّة إلى السماء» سيما انه يمكن من خلالها رؤية الجبال المنتصبة شمال شرقي فرنسا، أو حتى الغابة السوداء في أقصى جنوب ألمانيا.
أدرجت كاتدرائية ستراسبورغ، عام 1862، ضمن الآثار التاريخية لفرنسا، وفي 1988، ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو اعترافا من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم بالقيمة التاريخية الكبيرة لهذه الكنيسة التي تستقطب سنويا ما لا يقل عن 4.5 مليون زائر.