الصحة: خروج جميع المصابين في انقلاب أتوبيس رأس غارب
مقالة رائعة يكتبها د.محمد يسري سلامة: ثلاثة أقباط وسلفي وثورة
دمعت عيناي عندما تلقيت اتصالاً من صديقي رمسيس، يطلب مني فيه أن أجهز (ملابس الحرب) لأنه سينزل معي يوم الخامس والعشرين من يناير القادم كما نزلنا سويًّا يوم الثامن والعشرين من يناير الفائت. وملابس الحرب هذه –كيلا يسيء أحدٌ الفهم، أو يحاكمني عسكريًّا- عبارة عن (جاكيت) قديم وبنطال مهترئ كنت أرتديه على الدوام في زمن الثورة.
كانت علاقتنا قد فترت مؤخرًا وتدهورت تدهورًا شديدًا عقب أحداث محمد محمود، لأنه رأى أنني غضبت غضبًا شديدًا وأبديت ردة فعلٍ عنيفة عقب الهجوم على مصابي الثورة الذي سبق تلك الأحداث، بينما لم أُبدِ الغضبَ نفسه ولا ظهرت مني ردة الفعل
نفسها عقب مذبحة ماسبيرو، بينما اتهمته أنا بالانعزالية المفرطة، وأنه يتصرف وغيره من الأقباط وكأنهم شعبٌ مستقل منفصل له (أجندته) الخاصة ومصالحه الخاصة. لكن كلماته كانت قد آلمتني بالفعل، لأني كنت أعلم في قرارة نفسي أن معه كل الحق فيما قاله.
كنا قد تجاوزنا بسلام قضية كاميليا وكنيسة أطفيح وأحداث إمبابة وغيرها، لكن أن أتصرف وكأن دم هؤلاء حرام ودم أولئك حلال هو أمرٌ غير مقبولٍ حقًّا، لأن المبادئ لا تتجزأ، والقتلَ
قتلٌ والعدوان عدوان. وما لا يعلمه رمسيس هو أنني مررت بحالة اكتئاب ثوري حاد عقب مذبحة ماسبيرو وتألمت كثيرًا، وإن كنت لا أخفيه أنني كنت وما زلت أكره مشهد الأقباط وهم يسيرون في
مظاهرة خاصة بهم ويرفعون شعارات خاصة بهم، تمامًا كما أكره رؤية الإخوان وهم يفعلون ذلك أو السلفيين وهم يفعلون الأمر نفسه، وأنني لا أرضى سوى بحشدٍ لا يتميز فيه هذا من هذا من ذاك
المهم في الأمر أنه كان قد انسحب كلياً من المشاركة أو حتى الاهتمام بأي شأن سياسي أو عام، وأنني حين قابلته آخر مرة أخبرني أنه الآن يركز على عمله وأسرته فحسب، وأنه لا يريد الحديث عن أي شيءٍ آخر، ورمقني بنظرةٍ حزينة وانصرف. ملابس الحرب جاهزة يا صديقي، لكنها تشتكي من كثرة الهجر وطول النسيان.
وموقف جون حسني –السكندري الصعيدي الطيب- لا يختلف كثيرًا عن موقف رمسيس، وهو زميلي في العمل، ضحكت كثيرًا عندما أخبرني أنه لم يكن ليتصور في يومٍ من الأيام أنه سينتخب مرشحًا إخوانيًّا لمجرد الهروب من المرشح السلفي في دائرته،
واحترمته كثيرًا عندما علمت أنه كان في زيارةٍ لبعض أقاربه ميسوري الحال في أمريكا، وأنهم ألحُّوا عليه في البقاء والحصول على إقامة دائمة ثم جنسية تحت بند الاضطهاد الديني، وهو أمرٌ متاح ميسر للأقباط في أيامنا هذه، لكنه رفض رفضًا قاطعًا
. وتعجبت من ذلك، لأني أعلم حاجته كغيره من المصريين إلى عملٍ أفضل وفرصةٍ أفضل وحياةٍ أفضل، وسألته عن سبب رفضه، فأخبرني أنهم طلبوا منه تأليف قصة وهمية عن تعرضه لاعتداء وضرب واقتحام لمنزله لكونه قبطيًّا، كي يحصل على
الإقامة، وأنه (لم ولن) يفعل ذلك، لأنه لن يكذب ويدعي حدوث شيءٍ لم يحدث. (لا أريد أن أترك مصر) هكذا قال، فلا أدري علام أحسده أكثر، أعلى حرصه على الصدق ونفوره من الكذب، أم على شدة حبِّه لوطنه وتمسكه بالبقاء فيه رغم كلِّ شيء؟
جون حسني هو أحد الناجين من مذبحة كنيسة القديسين بالمناسبة.
أما الدكتورة منى مكرم عبيد، السياسية والأستاذة الجامعية، وسليلة البيت الوطني المعروف، فلي معها قصة وحكاية، بدأت عندما دُعيت إلى تصوير حلقةٍ معها عقب الاستفتاء المشؤوم على ما أتذكر، حول مستقبل العلاقة بين (السلفيين) و(الأقباط). ولأنني كنت ممثلاً عن الجانب السلفي فقد رمقتني أوَّل ما رأتني بنظرة اشمئزاز وتحدٍّ، وسألتني أوَّل ما سألتني عما ننوي أن نفعله بالأقباط وفيهم.
لكن تلك النظرة لم تضايقني ولم تستفزني، لأنها حين تصدر من إحدى سيدات الزمالك الراقيات يصبح لها طعمٌ خاص ومذاقٌ خاص هو أقرب إلى الدلال منه إلى التهجم والاستفزاز. تكلمنا وتكلمنا، وتناقشنا وتناقشنا، فانقلبت الحلقة بعد مدةٍ
ليست بالطويلة من مناظرةٍ حوارية إلى شيء يشبه الجلسة العائلية، ضحكنا بعدها وتمازحنا وتبادلنا أرقام هواتفنا، واكتشفنا أننا خريجا مدرسة واحدة مع اختلاف الأجيال بالطبع، وسألتني عن حقيقة معنى السلفية فأجبتها وأعجبتها الإجابة.
وبرغم أن هذه الحلقة لم تعرف طريقها إلى النور ولم تُذَع على الإطلاق، ربما لأنها لم تحقق المراد منها وفسدت على صانعيها بما سادها من ودٍّ واحترامٍ وتقاربٍ في وجهات النظر، غير أن الدكتورة منى بقيت صديقةً عزيزة، أحتفظ لها في قلبي بمنزلةٍ خاصة. وبالمناسبة أيضًا فقد كان مكرم عبيد باشا هو السياسي الوحيد، ومن الرجال المعدودين الذين أصروا على تشييع الشيخ حسن البنا والسير في جنازته.
لماذا تبدو المسافات بيننا أبعد بكثيرٍ مما هي في واقع الحال؟ مصر عظيمة حقًّا، ولكن يجب علينا أن نصبح في مثل عظمتها...
د.محمد يسري سلامة
المتحدث العسكري للسيسي: هون على نفسك، والرئيس باكيا: هما يومين على وش الدنيا (فيديو)